فوا غرا ، التغذية بالقوة ومبادئ مدريد.

بقلم أني جاغلاصيان (عضوة في لجنة متابعة القضية الأرمنية في الولايات المتحدة)

إذا لم تكن من عشاق الطعام، فقد لا تعرف أن  foie gras (فوا غرا) من الأطعمة الشهية والفاخرة في جميع أنحاء العالم. ولكن مثل الكثير مما يباع على أنه فاخر، يأتي هذا الطبق بخلفية قبيحة.

الحقيقة هي أن  foie gras هو كبد البطة أو الإوز، يتم تسمينه بالقوة من خلال عملية تعرف باسم “التزغيط” ، وتعني دفع الغذاء إلى أسفل حلق الطيور بالقوة حتى تسمن وتتوسع كبدها إلى عشرة أضعاف حجمها الطبيعي قبل أن يتم ذبحها.

أولاً، إن هذه الممارسة قاسية لدرجة أنها حظرت في العديد من البلدان. ثانيا، من المفترض أن نتجاهل همجيتها، لأنها تنتج طبقا باهظ الثمن في قائمة الطعام.

 يمكن قول الشيء ذاته عن مبادئ مدريد.

هذه هي الاتفاقات المتهورة – التي تُفرض بلا هوادة على الأمة الأرمنية – التي من شأنها أن تحرم الأرمن من الحرية بنفس طريقة “التزغيط” التي تدمر الكبد وأرواح الحيوانات البريئة في النهاية – وكل ذلك من أجل تسلية الأغنياء والأقوياء.

يحاول المجتمع الدولي دفع مبادئ مدريد المؤيدة لباكو إلى حنجرة الشعب الأرمني، بينما النخب العالمية تنظر بعيدا – متلهفة لتناول العشاء مع علييف على بقايا آرتساخ – ولكنها لا تريد رؤية العملية الرهيبة لإعداد وجبتها الفاخرة.

لإدراك المقارنة، نحتاج جميعا إلى فهم مبادئ مدريد – وهي خطة مرحلية طُرحت على الطاولة منذ أكثر من عقد من قبل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا لتسوية الأوضاع والمسائل الأمنية بين آرتساخ وأذربيجان.

والواقع أن مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا – بدون مشاركة آرتساخ – كانت حريصة على الضغط بلا هوادة من أجل مبادئ مدريد، وخاصة في اجتماع منظمة الأمن والتعاون في أوروبا الذي عقد في لاكويلا (إيطاليا) عام 2009. على الرغم من أنه يتم تحديثها من وقت لآخر، وتسريبها عندما اللزوم، وإبقائها سرية عند الحاجة، فإن الخطوط العريضة الأساسية لهذه المبادئ واضحة: قيام ارتساخ  بالتسليم الاستراتيجي للأراضي ذات السيادة والأمن مقابل وعود غامضة ومؤجلة وقابلة للعكس من قبل أذربيجان.

لقد ظل الأرمن يرفضون هذه الصيغة المتهورة لأكثر من عقد من الزمان ـ الموقف الموحد للأرمن في الوطن والشتات ضد صفقة غير مسؤولة تضع في النهاية مصير أرتساخ ثم أرمينيا تحت رحمة أذربيجان. أرتساخ لا تستطيع أن تعتمد أبداً على وعود أذربيجان الورقية، ولا أن تعرض حياة مواطنيها للخطر بناءا على تعهدات دولية. لقد شهدنا الكثير من أعمال العنف والحقد من باكو حتى نضع إيماننا ومستقبلنا بين أيديهم.

وكان موقف لجنة متابعة القضية الأرمنية في الولايات المتحدة (ANCA) واضحة منذ اليوم الأول. “إن مبادئ مدريد غير متكافئة إلى حد كبير، فهي تطالب بتنازلات استراتيجية مسبقة للأراضي والأمن غير قابلة للإلغاء من قبل أرتساخ مقابل وعود مبهمة ومؤجلة وقابلة للنقض فقط فيما يتعلق بخصوص أذربيجان”. وهذه الصيغة المعيبة لن تؤدي إلى السلام، بل تمهد الطريق لاستمرار الصراع وعدم الاستقرار الإقليمي”. والحقيقة هي أن مبادئ مدريد ستضغط على ارتساخ ذات الغالبية المسيحية في حين سيقوم النظام الأذربيجاني العنيف بتجنيد المتطرفين لخوض الحرب ضد الأرمن. وهذا بدوره سيؤدي إلى فرض عمليات الترحيل والمجازر وما هو أسوأ من ذلك على أرتساخ.

مع ارتفاع المخاطر إلى هذا الحد فإن غريزتنا الأساسية للدفاع عن النفس كأرمن ينبئنا برفض تلك المخاطر المتهورة، مع الاعتراف بأنه لا يوجد أساس في سياق التاريخ الأرمني والسياسة المعلنة  في أذربيجان والمبادئ الديمقراطية والقانون الدولي أو سابقة لحل النزاع للاعتقاد بأن تسليم أرتساخ لمناطق شاسعة من أراضيها من شأنها أن تجعل آرتساخ أكثر أمانا أو أذربيجان أقل عدائية. إننا نعلم على اليقين، أن آرتساخ قدمت تنازلات استراتيجية مسبقة على الأرض لن تجاريها أذربيجان بالتخلي عن مطالبها بالسيادة على آرتساخ. ونعلم أيضا أن المجتمع الدولي الذي يحجم عن نشر كلمات لانتقاد أذربيجان، لن يتدخل بالسلاح لحماية شعب آرتساخ.

ومع ذلك يواصلون إجبارنا للسير وفق مبادئ مدريد مثل إطعام البطة بالقوة. مبادئ مدريد هي المرادف الملطف ﻟﻟ  foie gras .

لا نريدهم. لن يتم تسميننا لنذبح، فعلييف وأصدقائه إن تناولوا آرتساخ كطعام الغداء، فإننا نعلم أنهم سيعودون فقط لتناول زانكيزور كعشاء  ثم غيرها.

ما نقوم به هو مطالبة الولايات المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا بالتخلي عن مبادئ مدريد، وأن تطور بدلاً من ذلك توجهاً جديداً يقوم على إيماننا الأساسي بالحق الثابت للمواطنين الأحرار في تقرير مصيرهم والعيش في ظل حكومة من اختيارهم.