عن http://horizonweekly.ca/ بتاريخ 4\10\2017كتب هاروت صاصونيان

لعقود عدة، كانت الحكومة التركية و مُروّجوا دعايتها يُعلنون أنّ وثائق الدولة و خاصةً الأرشيف العثماني مُتاحة بالكامل لأي باحث من شتّى أنحاء العالم.
ولكن ما لم يقله المسؤولون الأتراك و داعميهم بأن العديد من الوثائق من الأرشيف العثماني قد أزيلت, أتلفت، بيعت أو استبعدت. بالإضافة إلى أن بعضا من الأرشيف الأكثر حساسية لا يزال مغلقا للأجانب.
خلال الشهر الماضي، نشرت الصحفية التركية اوزاي بولوت مقالة بعنوان ( تركيا بلا رقابة: تاريخ من الرقابة والحظر) على موقع PhilosProject.org و تحدثت فيها عن حالة الأرشيفات والوثائق التركية التي تعود لعدة قرون. و بإمكان السيدة بولوت فضح أسرار كهذه لأنها لا تعيش الآن في تركيا بل تستقر في العاصمة الأميركية واشنطن.
في تركيا اليوم، موقع ويكيبيديا محظور بقرار حكومي لأن الموقع رفض حذف مقالات تكشف أن السلطات التركية تدعم إرهابيي داعش، و علاوة على ذلك، حجبت تركيا ١٢٧٠٠٠ موقع و ٩٥٠٠٠ موقع فردي كما أفادت الصحفية بولوت.
حظر الآلاف من المواقع في أيامنا هذه هي استمرارية لمرسوم السلطان العثماني بيازيد الثاني 1485 الذي يعرض لحكم الإعدام كل من يطبع الكتب باللغة التركية أو العربية. الحظر استمر لأكثر من قرنين كما تقول بولوت. هذا الحظر يعتبر من قبل طيف واسع من المؤرخين واحدا من الأسباب الرئيسية للانهيار الفكري والعلمي للإسلام عند بزوغ فجر الثورة الصناعية.
الجمهورية التركية خلال فترة حكم مؤسسها كمال أتاتورك في ١٩٢٣م، استكملت تقليد الرقابة بحظر ١٣٠ صحيفة، و مجلة، و كتاب كما أورد مصطفى يلماز و ياسمين دوغانر في كتاب ( الرقابة خلال العهد الجمهوري [١٩٢٣-١٩٧٣] ). و أوردت بولوت أن رئيس الوزراء الثاني في تركيا (١٩٥٠-١٩٦٠) عدنان منديريس حظر ١٦١
منشورا.

بالعودة الى موضوع حجب الارشيفات، اقتبست بولوت من المؤرخ التركي اليهودي ريفات بالي الذي عرضَ تاريخ الإتلاف و التخلص من ارشيفات الدولة في كتابه [حكاية تدمير النهب: كلمات مطبوعة و مكتوبة، رسائل ميتة، أرشيفات ألقيت(أو بيعت) كخردة]… أرشيفات العديد من الأحزاب السياسية، و مجلس الشورى، وعدد من المؤسسات الحكومية و غير الحكومية في تركيا إما قد حجبت عن العامة، أو لم تعد موجودة الآن. و حسب بالي، أرشيفات الأحزاب السياسية تم إغلاقها خلال انقلاب ١٢ أيلول ١٩٨٠ و تم إرسالها إلى معامل السيلولوز و الورق كخردة.
أرشيفات حزب الشعب الجمهوري CHP هي الأكثر الأهمية لأن الحزب كان متواجدا أيام تأسيس الجمهورية. و كتب بالي: يقول البعض إنها (الأرشيفات) أحرفت، و البعض الآخر يقول انه تم التخلص منها خلال انقلاب ١٢ أيلول و آخرون يقولون بأنه لم يتم التخلص منها و إنها موجودة. إنها بمثابة لغز اليوم. قسم كبير من الأرشيفات غير موجودة.
و اضاف بالي، أن “أرشيفات الرئاسة، و وكالة الاستخبارات الوطنية، و وزارة الداخلية قد أغلفت.” و بشكل عجيب اشار بالي إلى القصة الغريبة التي حدثت في انفره عام ١٩٩٨ حينما “تم العثور على وثائق سرية لوزارة الشؤون الخارجية عند بائع للخردة حيث أنّ الوزارة كانت قد باعت ١٥ خزينة حديدية لتاجر خردة. و عُلل ذلك فيما بعد بنقص المساحة في الوزارة مما قاموا ببيع الخزائن دون أن ينظروا إلى محتواها”.
و ذكر بالي بعض الأمثلة لإتلاف محفوظات هامة في كتابه:
– الكثير من محفوظات معهد التاريخ التركي بينها رسالة لأتاتورك تم التخلص منها.
– جميع محاضر جلسات مجلس الشيوخ الذي أُسس بدستور عام ١٩٦١ و ظل المجلس فاعلا حتى انقلاب ١٢ أيلول ١٩٨٠ و أرسلت المحاضر إلى معامل السيلولوز و الورق.
– عندما انتقلت رئاسة الشؤون الدينية (ديانات) الممول من قبل الدولة إلى مبنى جديد عام ١٩٦٥، قال المسؤولون فيها أن الوثائق القديمة لا تلائم مبنى جديد فقاموا بإرسال قسم منها إلى معامل السيلولوز و الورق.
– عندما حدث نقص في الأوراق بمعامل السيلولوز و الورق في ثمانينيات القرن الماضي، تم توجيه نداء لمؤسسات الدولة لإرسال أوراقهم القديمة للمعامل. و هكذا اتلف عدد كبير من أرشيفات المؤسسات.
– و في عام ٢٠١٣، تم بيع كتب يونانية و عبرية و سريانية بالطن، لعدم وجود احد يستطيع القراءة بتلك اللغات.
و خلصت الصحفية المُحققة اوزاي بولوت إلى أنه مع حجب معلومات هائلة من العامة في تركيا، خلقت الدعاية التركية جمهورا يتبع سلطات الدولة بشكل أعمى، فاقدين لبوصلتهم الإخلافية و لا يعترضون و لا يتكلمون حتى لو رأوا انتهاكا وحشيا لحقوق الإنسان، و لا يحترمون الآراء المختلفة عن رأيهم و حق المعارضة، و يروجون لنسخة بعيدة كل البعد عن الدقة من التاريخ. و في المرة القادمة التي يكتب فيها المروجون الأتراك إن أرشيفاتهم مُتاحة، بإمكانكم إرسال نسخة من هذا المقال اليهم، فإن ما قامت الصحفية المتميزة اوزاي بولوت باطهاره سيخرسهم.
القضية قضية الشعب الأرمني
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.