بمناسبة احياء الذكري ١٠٣ للإبادة الأرمنية، د. ايمن سلامة أستاذ القانون الدولي العام، يكتب عن التنصل التركي: لا يزال الرئيس التركي رجب طيب أردوجان، يعاند ويكابر ويتحدي إرادة المجتمع الدولي، ويمتهن القيم الإنسانية التي جبلت عليها الأمم المتحضرة، وذلك من خلال إنكاره الغريب، ورفضه المريب للإقرار بمسؤولية ” تركيا” الدولة الخلف للسلطنة العثمانية التي دوما ما يتشدق بتاريخها وماضيها الأسودين. الصادم في ذلك الشأن، هو إقرار الدولتين الحليفتين للإمبراطورية العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولي1914م -1918م، وهما ألمانيا والنمسا منذ ثلاث سنوات أن ما ارتكبته السلطات العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولي، وتحديدا في عام 1915م، هو جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان وفقا للتعريف والتفصيل الواردين في إتفاقية الجمعية العامة للأمم المتحدة لمنع والعقاب علي إراتكاب هذه الجريمة الشنيعة، والتي توصم بكونها جريمة الجرائم الدولية، والجريمة النموذج للجرائم ضد الإنسانية.
يأتى ذلك العناد التركى لرفض حقيقة ما وقع للأرمن من إبادة جماعية، بالرغم من عقد الدولة العثمانية ذاتها، المحكمة الخاصة فى أسطنبول عام 1919 لمحاكمة القادة العثمانيين الذى ارتكبوا جرائم حرب، وجرائم بحق الانسانية- حيث لم يكن مصطلح الإبادة الجماعية معهودا في هذه الحقبة – وتحديدا بحق الأرمن أثناء الحرب العالمية الاولي، وبالرغم من الشهادات والتقارير الموثقة للسفراء والمبعوثيين الرسميين لدول أجنبية عديدة للخروقات الجسيمة لحقوق الانسان التى ارتكبتها السلطات العثمانية بحق الأرمن أثناء الأحداث الابادية، ومن بين هذه الشهادات تدليلا وليس حصرا، المخاطبات والإتصالات والمذكرات الرسمية للمثلين والقناصل لدول أجنبية في أسطنبول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا وألمانيا وغيرهم وبالرغم أيضا من عشرات الاقرارات الرسمية العديدة التى صدرت عن حكومات وبرلمانات العديد من الدول، والتى تقر أن ما وقع للأرمن على يد العثمانيين فى عام 1915 يعد جريمة ابادة جماعية بموجب القانون الدولى، و يعد الإقرار الأخير للبرلمان الهولندي في شهر فبراير عام 2018م، دليلا دامغا علي ارتكاب العثمانيين هذه الجريمة الفظيعة بحق الأرمن الأبرياء العزل.
الحق فى معرفة الحقيقة عن الانتهاكات السابقة لحقوق الإنسان لا يقتصر على كونه حقا قانونيا أصيل من حقوق الإنسان الأساسية بل يتخطى ذلك لكونه حقيقة إنسانية لصيقة بالفرد، والحق فى معرفة الحقيقة لا ينصرف أو يعنى بالماضي، بل يرتبط بإدراك الحاضر الواقع ويمتد ليتحكم فى تشكيل واقع المستقبل. بالرغم من ذلك، لا تزال الحكومات التركية المتعاقبة تنكر حقيقة ما جرى للأرمن على يد السلطات العثمانية فى عام 1915، ويعد ذلك الانكار الذى يتنافى مع القيم الأخلاقية والانسانية والقانونية العقبة الأكبر فى تطبيع العلاقات الرسمية وغير الرسمية بين الدولتيين التركية والأرمينية، فضلا عن تعليق الاتحاد الاوروبى انضمام تركيا لعضويته، إلا بعد تسوية هذا الأمر وفقا لمقتضيات العدالة ومبادئ الإنسانية.. فالحكومة التركية الحالية، تزعم أن القتلى من الأرمن فى عام 1915 لا يتجاوز 300 ألف قتيل، وقضوا نحبهم أثناء ترحيلهم الى صحراء الشام فى العراق وسورية، ونتيجة الجوع والعطش والظروف الجوية السيئة، ولم تطلق عليهم رصاصة واحدة من القوات التركية التى كانت ترافقهم وتؤمنهم بل أن الرئيس التركي ذاته ” أردوجان ” أشار إلي هذه الانتهاكات الجسيمة بحق الأرمن في مناسبات عديدة، لكنه في ذات الوقت رفض الإقرار بارتكاب جريمة الابادة الجماعية ضد الأرمن، وكأن الإنتهاكات الجسيمة الأخري الممارسة والممنهجة ضد الأرمن أثناء الحرب العالمية الأولي، لا تشكل جرائم دولية، ومنها الجرائم ضد الإنسانية..
يشار فى ذلك الصدد الى أن اتفاقية الابادة الجماعية التى تحظر أفعال الابادة الجماعية، لم تتحدث فقط عن قتل أعضاء الجماعة باعتبار القتل هو النمط الوحيد المستخدم لابادة جزء أو كل الجماعة المستهدفة، لكن الاتفاقية، كما سبق أن وضحنا تحدثت أيضا عن إلحاق أذى جسدى أو روحى خطير بأعضاء من الجماعة، واخضاع الجماعة لظروف معيشية يراد بها تدميرها كليا أو جزئيا، جلى أن، التعداد الوارد فى الاتفاقية المشار اليها، للأنماط اى الأشكال الخمسة للابادة الجماعية، يبغيى الحفاظ على الجنس البشرى من الافناء، بواسطة الأنظمة المستبدة، التى لا تقيم للانسانية وزنا، ولا تنظر للجماعات البشرية فى لحظة تاريخية نظرة انسانية مجردة و متجردة من اى تمييز أو اذدراء.
القضية قضية الشعب الأرمني
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.