بقلم سِردار كوروجو
كان لعفرين دور هام خلال الإبادة العرقية الأرمنية والسبب يكمن وراء وجود مخيمي كاتما وراجو قبل قرن من الزمن في تلك المنطقة.
جاء في كتاب “الإبادة العرقية الأرمنية” للكاتب رايموند كيفوركيان الذي تمت ترجمته إلى اللغة التركية من قبل دار ايليتيشيم للنشر أنّ قوافل المهجرين الأرمن جاءت من الطرق الأربعة للأناضول (أرمينيا الغربية المحتلة) ليمروا عبر المخيمين المذكورين.
مخيم كاتما يتواجد على طريق تهجير الأرمن الكاثوليك الذين هجّروا من الأناضول. وتمّ اعتقال أرمن القافلة المذكورة من قبل الجندرمة التركية والشرطة التركية في ٢٧ آب عام ١٩١٥, بينهم مطرانا واحدا، و ١٧ كاهناً بالإضافة إلى ١٥٠٠ شخص من الأرمن الكاثوليك. بيد أنّ هذه القافلة كانت “محظوظة”. لأنّ طلعت باشا قام بإصدار قرار عفو مفاجئ، ومن المرجّح أن السبب يكمن وراء رغبة طلعت في إرضاء موفد الفاتيكان انجلو ماريا دولجين وسفير النمسا-هنغاريا بالافيجيني آنذاك.
لم يكتب لجميع القوافل البقاء على قيد الحياة…
حسب شهادات الناجين الذين جاؤوا عبر كره شيهير وكايسيري وبيكا والذين مروا بعدها عبر بوزانت وليصلوا بعدها إلى درسوس فقرية كاتما بقرب حلب.
بعد سلوك هذا الطريق الذي دام قرابة الشهر أرسل اغلب من بقي على قيد الحياة الى رأس العين ودير الزور من قبل حقي بيك “مراقب التهجير إلى سوريا” ولكن بعد أن تمت إقالته استطاع المهجرون الوصول إلى مدينة حلب ولكن لم يكتب النجاة لكل من كان في القافلة التي عبرت كاتما. كاتما تواجدت على طريق المهجرين الأرمن القادمين من كارامان.
بدأت الاعتقالات الأولى في ٢٣ أيار ١٩١٥ وبعدها في ١١ آب ١٩١٥ حين بدأت عمليات التهجير مرّت القافلة من إيريغلي من منطقة بوزانت فدارسوس فالعثمانية. وقبل الوصول لحلب ارتاحت القوافل أيضا في كاتما. لكنّ تلك القافلة لم تتوقف في حلب كقافلة الأرمن الكاثوليك بل أرسلت إلى مسكنة الموجودة في سوريا في العراء. وفي تلك الفترة وجد الكثير من الأرمن المأوى في اكشيهير. وكان طريق المهجرين الذين بدأ تهجيرهم في ٢٠ آب ١٩١٥ حتى شهر كانون الأول يعبر من كاتما. وكان مهجرو القافلة الأولى يذهبون مشياً بأقدامهم حتى ايريغلي، حيث كان حاكم المقاطعة فائق بيك ومندوب الشرطة عزت بيك وقائد الجندرمة مدحت بيك ومصطفى افندي يسرقون منهم الأدوات الثمينة التي كانوا يحملونها وبعدها تكمل القافلة طريقها مشياً على الأقدام حتى العثمانية.
قبل ٢٣ كانون الأول كانت كاتما محطة للمهجّرين قبل إرسالهم إلى الصحراء السورية. وابلغ حاكم حلب باكير سامي في ١ كانون الأول وزارة الشؤون الداخلية عن وجود آلاف المهجّرين في كاتما كاري قادمين من كلِّس، وعن مرور مهجّري أضنه من كاتما ايضا.
المهجرون الأرمن الذين لم يرسلوا إلى دمشق يرّحلون بمبادرة شخصية من جمال باشا إلى الصحراء السورية.
كان الأرمن الذاهبون إلى العثمانية يرسلون إلى اينتيللي وكاتما اللتان كانتا مخيما لتجميع المهجرين وكانوا بعدها يذهبون مشياً على الأقدام إلى كارلك التي كانت المتواجدة على طريق الذهاب إلى حلب. حيث كانت المرحلة التالية من أعمال الإبادة العرقية بانتظارهم… ولم يكن مخيمي كاتما وراجو المتواجدين على طريق حلب مفتوحين لفترة طويلة. مع ذلك، كان الكثير الناس يلقون حتفهم هناك. وقد أخبر سفير وحاكم حلب هوفمان في ١٨ كانون الأول ١٩١٥ في برقية مرسلة إلى القنصلية أنّ المسؤول السياسي لولاية حلب قد أخبر أنّ أعداد المهجرين في كاتما وراجو تصل إلى ٤٠ ألف أضاف أنّ القوافل القادمة من “الأناضول الغربية والشمالية والوسطى” آتية حيث يجبرون حوالي ٣٠٠٠٠٠ الف شخص على المسير إلى الجنوب.
خيم مخيم راجو كان مليئاً بالجثث
مخيم راجو المتواجد على بعد كم واحد من محطة الذهاب كان أشبه بمستنقع مغطى بالخيم. ويصف احد أهالي بانترماتس(بالك إيسير) تلك المنطقة خلال الإبادة العرقية كالتالي: “الخيم كانت ممتلئة بالجثث. والذين لم يملكوا خيماً تجمعوا تحت جسر سكة الحديد للاحتماء من البرد. وحدث فيضان بسبب انهمار الأمطار الغزيرة فغمرت المخيم بالمياه وتسببت بغرق الناس. وملأت الجثث كل مكان، ولم يستطع النجاة إلّا القليل.” بالقرب من سكة الحديد ايضاً، في مخيم كاتما كان المشهد مماثلاً.
يبيّن سركيس ماجاروف في كتاب “الإبادة العرقية الأرمنية” للكاتبة فيرجينيه سيفازيان الذي نشره دار بيلكيه للنشر باللغة التركية: “وصلنا في ٦ تشرين الثاني إلى كاتما. خيم الأرمن كانت كثيرة، لكن المرضى والمتواجدين في وضع حرج كانوا كثيرين أيضاً. وتوفي الكاهنين كارابيد ميرجيميكيان وتوكاتليان. المطر يغمرنا. و الأسى يخيم على المكان. وبقيت الكثير من الجثث تحت المطر بدون أن يتم دفنها. وبردت أنا أيضاً، وكانت حرارتي مرتفعة إلى حد مخيف، وكنت أشعر بالنعاس، و اللصوص يتجولون في كل ليلة، ليسرقوا، ويقتلوا الذين يعصون.” في السادس من شهر أيلول شهد فاهرام تاتيان الذي ذهب الى المنطقة أنّه بدل كل ١٠ أشخاص مهجرين يرسلون إلى الجنوب من المخيم كان يأتي ١٠٠٠ عوضاً عنهم. وذلك المخيم كان يتسبب بازدياد انتشار الأمراض بسبب شح الخبز والنظافة في المدينة فيؤدي ذلك إلى خسائر كبيرة. وبعد أن رأى تاتيان كل ذلك فهم أنّه يتوجب عليه الابتعاد عن المخيم بأقرب فرصة وإلّا سيكون مصيره كالجميع، إمّا سيموت من الجوع أو سيموت بسبب تفشي الأمراض. وفي ٩ أيلول ذهب الكاثوليكوس ساهاك خابايان إلى مخيم كاتما، لكن كما اعترف خابايان كانت جميع الطلبات المقدمة لمسؤولي حلب بهدف تحسين وضع المهجرين كانت سدى. كان الجميع يموتون في منطقتنا
كتبت البروفيسورة سيفازيان عما شاهدت اربينيه بارتيكيان (مواليد ١٩٠٣. افيون-كاراهيسار) الشاهدة على تفشي الأمراض: “وصلنا إلى كاتما مشياً على الأقدام. وكنّا في الخريف، و الجو بارداً. الناس ينوون الوصول بسرعة إلى مكان ما، ليبنوا هناك ويستتروا، وخاصة أن الأمطار كانت بدأت بالتساقط. وحينها دعوت أخي وقلت له تعال لجانبي. ولم ألاحظ في ذاك الوضع الصاخب قدومه لجانبي. وكانت تلك المرة الأخيرة التي رأيت أخي فيها. هل اختفى؟ أم تمّ اختطافه؟ لا أعرف. كنّا نتضور جوعاً، لم يكن هنالك أي شيء نأكله. كنّا نأكل العشب أو القمح المتواجد في قذارة الأحصنة. ومرضنا بعدها، واصبنا بأوجاع في المعدة وبالإسهال. ربما كان مرض التيفوس أو الزحار. كنا نتقيأ دماً وبولاً. وكنا قد وزعنا الدواء الذي كان بحوذتنا فلم يبقى معنا أي دواء.“
الجميع يموتون حولنا
في ٨ تشرين الثاني اعلم سفير ألمانيا في حلب فولتير روسلير المستشار الألماني بيتمان هولفيك ما يلي: “يسود وضع لا يمكن وصفه في مركز تجميع المهجرين بمخيم كاتما” لأنّ أعداد المهجرين المتواجدين في المنطقة يصل إلى ٢٠٠ ألف، وكان الأرمن يرسلون خلال أيام قليلة إلى عزاز التي تبعد قرابة الساعة من هناك. وفي تشرين الثاني من عام ١٩١٥ شهد الكاتب الأرمني يروانت اوديان الذي كان متواجداً بين آخر جموع المهجرين على المحادثات بينهم.” إلى جانب التحذيرات بعدم الذهاب إلى ما بعد حلب حيث “أوسفينتسيم الأرمن“, دير الزور, فإنه كان “لابد من الابتعاد مهما كلف الأمر” عن مناطق التجميع في راجو و كاتما”.
في تشرين الثاني وكانون الأول من عام ١٩١٥، تمّ إرسال المهجرين من اصلاحية وكاتما وعزاز إلى رأس العين، بهدف فتح وتنظيف الطريق الاستراتيجي حلب-أضنة. ومن بين أولئك المهجرين كان هوسيب بشديكيان (مواليد ١٩٠٣. زيتون) متواجداً الذي روى لسيفازيان ما حدث كما يلي: ” جئنا إلى كاتما، فرأينا أنّ التهجير قد بدأ من كل الجهات، من اضنة ودرسيم ومن جميع أنحاء تركيا، كانوا يأتون بالأرمن بالسيارات ويأخذونهم حتى كاتما وحلب. بقينا في كاتما ثلاثة أو أربعة أشهر. مرض، تلوث، وثياب مهترئة ، ونحن تحت الخيم. كان الناس جائعين وعطشى وبدون مأوى، ومرض التيفوئيد والكوليرا ينتشر في كل مكان. مات اكثر من نصف الناس بسبب المرض، وقتلوا الباقي. وحين وصولنا إلى هناك بدأ المطر. كنّا في أواخر الخريف. ووضعوا قسم من الناس ونحن معهم في القطارات، وأرسلونا إلى رأس العين، أما القسم الباقي فأرسلوهم إلى دير الزور“.
وفقا لرايموند كيفوركيان، بلغ أعداد المتوفين في راجو وكاتما ٦٠ ألف شخص في الفترة ما بين خريف ١٩١٥ وربيع ١٩١٦.
ما حدث في كاتما تم التعبير عنه في ما جمعته فرجين سيفازيان فيما يلي من الرثاء باللغة التركية
” استقلينا العربة, نزلنا في كاتما, فبدأ خطف الأطفال. الأتراك بدؤوا خطف الأرمن المستميتون لدينهم.”
القضية قضية الشعب الأرمني
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.