“موديرن ديبلوماسي”
بقلم أنوش غافاليان
يُنظر إلى سكان أرتساخ على أنهم موالون لروسيا. هل هذا التقييم المؤيد لموسكو من فبل شعب أرتساخ دقيق؟ ولماذا يتم الترحيب بقوات حفظ السلام الروسية في ناغورنو كاراباخ؟![]()
طورت جمهورية أرتساخ وشعبها ديمقراطية الأمة لما يقرب من ثلاثة عقود. في عام 1991، أجرت أرتساخ استفتاءً على استقلالها، فضلاً عن انتخابات ديمقراطية تحت وابل من الصواريخ الأذربيجانية. لقد أنجز سكان أرتساخ هذه الخطوة بأنفسهم، مقتنعين أنه بدون حرية الفرد لا توجد حرية للبلاد. لم تكن حركة التحرير الوطنية لأرتساخ سوى نضالاً من أجل الحرية والحق في تقرير المصير.
لم يكن تطوير الديمقراطية سهلاً بالنسبة لبلد مزقته الحرب بحكم الأمر، الواقع وموارده محدودة، ولديه نقص في المؤسسات، إضافةً إلى التهديد باستئناف الأعمال العدائية، ومغريات استخدام عناصر الاستبداد في الحكم وكذلك في الرأي العام.
ومع ذلك، وخلال العقود الثلاثة الأخيرة، تمكن شعب أرتساخ من تطوير مؤسسات ديمقراطية عاملة، وضمان التعددية السياسية، وتشكيل مؤسسات فعالة لحقوق الإنسان. ومن الأمثلة الحية على ذلك الانتخابات الرئاسية التي جرت في عام 2020 على أساس تنافسي، والبرلمان المؤلف من خمسة أحزاب، والآليات الدستورية للفصل بين السلطات.
ومن الجدير بالذكر أن البلد وحده هو الذي نفذ كامل نطاق الديمقراطية في أرتساخ، دون دعم مباشر من المنظمات الحكومية الدولية والمنظمات غير الحكومية، وعلى الرغم من النداءات العديدة التي وجهها إليها المجتمع المدني في أرتساخ.
ومع ذلك، فإن ديمقراطية أرتساخ تحظى بتقدير كبير ليس فقط من جانب البرلمانيين والسياسيين والخبراء الذين زاروا أرتساخ، ولكن أيضا من جانب المنظمات الدولية، مثل “بيت الحرية” في تقاريرها السنوية العالمية. وفي هذه التقارير، فإن أرتساخ مدرجة في قائمة البلدان الحرة جزئيا، وتحرز تقدما في ضمان الحريات السياسية والمدنية كل عام، في حين أن أذربيجان لا تتمتع بمركز حر طوال الوقت الذي تتخذ فيه خطوات تراجعية في كل جانب.
اعتقد شعب أرتساخ أن تطوير الديمقراطية سيعزز حتما موقفها في عدم تصور أي علاقة رأسية مع أذربيجان الدكتاتورية. واعتقد سكان أرتساخ أنهم يحتفظون بالبوابة الشرقية للحضارة الأوروبية ومجموعة قيمها. واعتقدوا بأن الذين يشاركون في الغرب في عملية تسوية الصراع ولا سيما فرنسا والولايات المتحدة سينظرون إلى صراع أرتساخ أنه نشأ على أساس من المبادئ ومُثل الحرية.
وما الذي تلقاه شعب أرتساخ نتيجة الإيمان بالغرب؟ لقد واجهوا حربا جديدة وسفك دماء جديدة أطلقتها أذربيجان نفسها. كما أنهم يواجهون واقعا قاسيا يتمثل في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وجرائم حرب وتدمير لتراثهم الثقافي. إن مبدأ المساواة وتقرير المصير للشعوب بوجه عام ومفهومي الحرية وحقوق الإنسان بوجه خاص انهارا تماما أمام أعين شعب أرتساخ.
لا يجب أن يكون المرء خبيراً عسكرياً ليفهم أن أرتساخ دولة صغيرة ذو موارد وقدرات محدودة لم يستطع بمفرده مقاومة أذربيجان المدعومة من تركيا لفترة طويلة، ولا سيما بالنظر إلى المشاركة المباشرة لأركان القيادة التركية وآلاف المرتزقة من المنظمات الإرهابية في الشرق الأوسط في الصراع، واستخدام التكنولوجيا العسكرية المتقدمة مثل الأسلحة المحظورة والطائرات بدون طيار.
ما الذي احتاجه شعب أرتساخ لمنع هذه الحرب؟ كان الجواب يتلخص في الاعتراف القانوني لأرتساخ الذي كان من شأنه على الأقل أن يخفف من احتمالات اندلاع حرب جديدة، ووضع حد للصراع الذي دام قرناً من الزمان، وإقامة سلام وأمن دائمين في المنطقة.
وبدلا من الاعتراف بحقهم الغير القابل للتحوير في تقرير المصير، فُرض حرب جديدة على شعب أرتساخ. ونتيجة لهذه الحرب تُرك شعب أرتساخ مع بلد مدمر وآلاف من القتلى والجرحى من أبناء الوطن وجيل جديد من اللاجئين والمشردين داخلياً والاعتماد على بعثة حفظ السلام من أجل الأمن المادي وحالة “لا سلام ولا حرب” فضلا عن مستقبل غير مؤكد.
روسيا أرادت أن تأتي إلى كاراباخ وهكذا فعلت. إن روسيا موجودة في أرتساخ ليس لأن أهل أرتساخ كانوا يحلمون بضعف السيادة في حين استمروا في التفكير فيما قد يفعله الغرب، ولكن روسيا جاءت إلى أرتساخ لأن روسيا خلافاً للغرب تتصرف بدلاً من أن تتكلم. فمن ناحية عندما يكون هناك مخاوف أوروبية وأمريكية يتم التعبير عنها في بيانات فارغة ومن ناحية أخرى هناك قوات حفظ السلام والدبابات الروسية، لا يوجد مجال للتفكير طويلا.
دعونا ننظر إلى القيم التي يؤمن بها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا وبقية ما يسمى بـ “العالم المتحضر”: أفكار حقوق الإنسان والحريات التي كانوا يدافعون عنها لسنوات في مختلف أنحاء العالم. الآن دعونا نحاول أن نرى ما تبقى منهم جميعا. ربما مرة واحدة يمكن أن تجد مصدر إلهام لكتابة كتب جديدة وتبادل الأفكار حول مستقبل البشرية في مواجهة العالم المتحضر. وربما، في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا وبقية ما يسمى بالعالم “المتحضر”، قد يتمتع سكانها بالمثل العليا لحقوق الإنسان، ولكن الناس الذين يعيشون في بلدان صغيرة وغير مهمة كثيراً ما يحرمون من هذه الحقوق. ولعل المفكرين والمؤلفين الغربيين سيكتبون كتبا عن الكيفية التي ترك بها الغرب إيمان شعب أرتساخ بأيدي الإرهابيين مع تمكين الديكتاتوريين الأتراك – الأذربيجانيين بسبب عدم اكتراثهم وتقاعسهم عن العمل. في الواقع، بالنسبة للغرب حياة سكان أرتساخ ليست لها قيمة فقط لأنها من منطقة “رمادية”، لأنهم يعيشون في بلد لا وجود له رسمياً. وهذه العبارات التمييزية، تعاريف يستخدمها المسؤولون الغربيون مرارا وتكرارا. هذا ما هو عليه. غير أنه ينبغي للغرب ألا ينسى الاحتفال بيوم عدم التمييز والاقتباس من مقالات من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وفي وقت لاحق، عندما يطرق التوسع والإرهاب التركي الأبواب الغربية، سوف يتذكر الغرب أولئك الناس غير المهمين من بلد غير معترف به استوعب الضربة الأولى. وفي ذلك المنعطف سيتذكر الغرب أيضاً مدى إعجابه بقدرة شعب أرتساخ على التحمل والمقاومة الجماعية، ولكنه في الوقت نفسه تركه وحيداً في حربه ضد الإرهاب والتكنولوجيا العسكرية الحديثة. ربما بالنسبة للغرب يشبه الأمر تماما مشاهدة فيلم أكشن ممتع مع الفشار والكولا.
بيدو أن وجود 193 أو 194 دولة عضواً في الأمم المتحدة لن يغير النظام القانوني الدولي القائم نتيجة للاعتراف بأرتساخ، ومع ذلك من شأنه أن يكون مثالاً نموذجياً للديمقراطيات الصاعدة ودرسا للديكتاتوريات والإرهاب الدولي. ومن خلال عدم الاعتراف بحق شعب أرتساخ في تقرير المصير، فإن الغرب يدفن مفاهيم حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية، وبالتالي يمهد الطريق للمغامرات العسكرية السياسية المقبلة التي يقوم بها الحكام المستبدون. الغرب يجب أن يقرر. وكلما طال أمد إنفاق الغرب على التفكير بدون أي عمل ملموس كلما ابتعدت المنطقة عنه.
القضية قضية الشعب الأرمني
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.