كتب كيفورك ميناس مصرليان
اللواء المرحوم محمد علي العجلوني. قد يعرف الكثيرون اللواء العجلوني ولكن قد لا يعرف بعض الناس بأنه قد كان له دور مهم في توثيق بعض الفصول المهمة للمجازر إلى جانب شخصيات وطنية أردنية وعربية أخرى من أمثال المرحوم الشيخ عودة سلمان القسوس الهلسا والمرحوم فائز الغصين، سكرتير الشريف فيصل بن الحسين (ملك سوريا وبعدها ملك العراق) والمرحوم يوسف سليمان القسوس الهاسا وغيرهم الكثيرين.
المرحوم محمد علي العجلوني من مواليد بلدة عنجرة في جبال عجلون، عندما إندلعت الحرب العالمية الآولى في العام 1914، كان محمد علي العجلوني ضابطاً في الجيش الرابع العثماني. شهد عمليات الأعدام التي قامت بها السلطات التركية بحق القوميين العرب وأحس هو وزملاؤه من الضباط العرب بالكره الشديد الذي يكنه لهم المتعصبون من الجنود والضباط الأتراك. إنشق عن الجيش العثماني وإلتحق بقوات الثورة العربية الكبرى وشارك في الكثير من معاركها وأصيب في معارك معان. واكب دخول الأمير فيصل بن الحسين الى دمشق وعين قائداً للحرس الأميري. وواكب إعلان المملكة السورية وشارك في معركة ميسلون ليعود بعدها الى مسقط رأسه في عنجرة.
تدرج في المناصب العسكرية في إمارة شرقي الأردن الى أن وصل الى منصب مساعد قائد الجيش العربي الأردني. وبعد تقاعده من الجيش، إنخرط في الخدمة المدنية . وفي عهد جلالة المغفور له الملك طلال بن عبد الله، عين العجلوني وزيراً للداخلية، وبعد ذلك تم اختياره عضواً في مجلس الأعيان الأردني. توفي في العام 1971.

وأثناء خدمته العسكرية في الجيش العثماني في مدن كيليس وطرسوس في مناطق أرمينيا الغربية، وقف العجلوني شاهداً على الويلات والصعوبات التي كان يعاني منها العرب المبعدون من مدنهم وقراهم في بلاد الشام الى مناطق الأناضول كما وقف شاهد عيان حي على عمليات التهجير والقتل الجماعي التي تعرض لها الشعب الأرمني أيام الحرب العالمية الآولى. ويروي في كتابه “ذكريات عن الثورة العربية الكبرى” ما يلي:-
“وفي محطة طرسوس [في مقاطعة أضنا في أرمينيا الغربية ] كنا نلقى الأسر العربية المبعدة الى الأناضول ونرى الكآبة والحزن يشيعان في نظرات كل واحد منا، …. وبينما كانت قوافل المبعدين [العرب] يذهب بها الى الشمال، كانت قوافل الأرمن يذهب بها الى الجنوب إلى الديار العربية. وكانت حالة الأرمن هؤلاء أشقى وأتعس، فالأطفال والنسوة والعجزة يرغمون على السير مشيا وأمتعتهم على ظهورهم ويساقون كالأنعام قطيعا يتلو قطيعا في الطريق العام بحراسة رجال قساة لا تعرف الرحمة إلى قلوبهم سبيلا. ومن الإنصاف أن أعترف بأن المبعدين من العرب لم يلاقوا من العسف إلى الحد الذي لاقاه الأرمن”. كما يوثق محمد علي العجلوني رواية وشهادة أحد الضباط الهنود المسلمين الذين كانوا من ضمن أفواج الأسرى الإنجليز الذين أسرتهم القوات التركية ويقول:-
“وإلتقيت يوما بضابط هندي مسلم يتكلم العربية الفصحى وقد راى بعينه شراذم الأرمن المبعثرة في الطريق فرق قلبه لحالتهم،…. وقد تأتي الأيام القريبة بنبأ يهتز له كيان الدولة التركية ولكنه سيكون محققا لآمالكم [آمال العرب] “
ويمضي محمد علي العجلوني في توثيقه لأوضاع بعض جماعات الأرمن المبعدين إلى الصحراء الجنوبية ويقول ” وكهوف البتراء آنئذ مليئة بالمهاجرين الأرمن اللذين نفاهم الأتراك إلى الجنوب ، فكنا نتخلف إليهم [نتردد عليهم] ونبتاع البندورة المجففة وهم يغسلون لنا ألبستنا، وكنا نستمع أحيانا إلى الذين يحسنون الموسيقى التركية منهم ونعاملهم بالرفق والإنسانية. ” يرجع تاريخ هذه الواقعة إلى بداية العام 1918 الأمر الذي يعني بأن هؤلاء المهجرون الأرمن قد سكنوا في كهوف البتراء لمدة ثلاث سنوات تقريبا تمكن بعدها البعض منهم من الإنتقال الى بورت سعيد في مصر بمساعدة الجمعية الخيرية العمومية الأرمنية وبمساعدة من قوات الثورة العربية الكبرى والقوات البريطانية. ويساهم محمد علي العجلوني في توثيق عملية إنقاذ هؤلاء المهجرين الأرمن حين يقول “وأما الأرمن فقد رغب جلالة الملك حسين [بن علي] بنقلهم الى القاهرة على نفقته، ومن خلال الثورة جاء وفد منهم [من الأرمن] من القاهرة بزعامة (قرة بيت) رئيس حزب الطاشناق الرمني ليعرض الخدمة المسلحة على فيصل [بن الحسين بن علي] “. إن إشارة محمد علي العجلوني إلى إتقان الأرمن للموسيقى “التركية” إشارة جديرة بالتوقف عندها من أجل تقديم بعض التوضيحات وذلك لأنه ونتيجة لمنع السلطات العثمانية إستخدام أية لغة غير اللغة التركية في أرجاء الإمبراطورية العثمانية، فقد لجأ الأرمن الى ترجمة بعض من موروثهم من الأغاني الشعبية إلى اللغة التركية وأكثر من ذلك فقد كتبت بعض الأغاني الأرمنية المضمون باللغة التركية التي كان أرمن الأناضول يتقنونها بطلاقة تامة الى جانب إتقانهم للغتهم الأم. كان أن الكتاب المقدس كان قد كتب أيضاً باللغة التركية ولكن بإستخدام الأبجدية الأرمنية
وثق العجلوني للعلاقات الوطيدة التي سادت بين المغفور له الشريف الحسين بن علي، ملك العرب، وبين المهاجرين الأرمن الذين إستقر بهم المطاف في قبرص وذلك اثناء فترة إقامة المغفور له في قبرص من منتصف العام 1925 وحتى نهاية العام 1930 ويقول العجلوني ” ثم أنني رأيت فريقا منهم [من الأرمن] في قبرص يتقربون من جلالة الملك حسين [بن علي] في منفاه يحاولون رد الجميل أليه. فيزورونه في أيام الجمع وفدا يرأسه الأسقف الأعلى للأرمن في قبرص وكان في حاشية جلالته منهم بضعة أشخاص يعتمد عليهم ويثق بهم”

القضية قضية الشعب الأرمني
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.