بقلم ملينه أنوميان
على الرغم من الادعاءات التركية بأن معاهدة سيفر باطلة ولم تتم أبدا، إلا أن هذه المعاهدة كانت كابوسا للشعب التركي على مدى 100 عام وخاصة في الأوساط السياسية والعلمية في تركيا. هذا الخوف كان واضحا في بعض الأحيان لدرجة أنه تم التعبير عنه ﺑ“متلازمة سيفر” (بالتركية Sevr Sendromu ).
في السنوات الأخيرة حاولت بعض الأوساط “العلمية” التركية ولا سيما ممثلو الجمعية التاريخية التركية (Türk Tarih Kurumu) والتي هي منبر التأريخ التركي الرسمي، تطوير مناهج جديدة في محاولة لتقديم معاهدة سيفر إلى المجتمع التركي والمؤسسات التعليمية التركية.

وهكذا على سبيل المثال، وفقا لصحيفة “ميليت” أعلن في ذلك الوقت البروفيسور د. رفيق توران رئيس الجمعية التاريخية التركية في 9 آب عام 2018 أن الجمعية التاريخية قد بدأت العمل على منهج جديد للمؤسسات التعليمية التركية من أجل تقديم معاهدة سيفر كوثيقة وليس معاهدة.
وأشار رفيق توران بشكل خاص ” قد لا يبدو ذلك بالأمر الجوهري، ولكنه مهمٌ، لأن سيفر يعتبر في وعي أطفالنا والمجتمع التركي كمعاهدة. في حين أن الأمر لا يتعلق بمعاهدة، بل فقط بوثيقة. “
وشدد توران على أن مصطفى كمال أتاتورك وصف معاهدة سيفر “الباطلة” الموقعة في 10 آب عام 1920 ﺑـ”محاولة الاغتيال كبرى ضد الشعب التركي“. وفي مقابلة مع وكالة أنباء الأناضول التركية التي تديرها الدولة، شدد على أن “سيفر ليست معاهدة بالنسبة لهم، حيث أن المعاهدات تستند إلى اتفاق بين الدول، بينما في حالة سيفر لم يكن هناك شيء من هذا القبيل“.
وفي تشويه للحقائق التاريخية يذكر توران بأن معاهدة سيفر لم تُوقّع، ويضيف بأنه” من الآن فصاعدا ستطلق الجمعية التاريخية التركية كمؤسسة على سيفر “وثيقة” وستعارض رسميا استخدام عبارة “معاهدة سيفر”. في بعض الأحيان يساء التعبير عنها. لا وجود لمثل هذه المعاهدة. هكذا سنعرض هذه القضية في برامجنا التعليمية. بالرغم من أننا غير مصرحين بإصلاحها بموجب القانون، لكننا سنبذل جهدنا حتى يبدأ مجتمعنا في إدراك هذه الوثيقة بهذه الطريقة“.

من الواضح أن صياغة هذا النهج من قبل المؤرخين الأتراك لم تبدأ في عام 2018، بل قبل ذلك بكثير. على سبيل المثال، في أواخر آب عام 2017، نشر موقع الأخبار التركي Haber7.com سلسلة من المقالات للمؤرخ التركي أحمد أنابال بعنوان “كل من يقول إنه تم التوقيع على معاهدة سيفر فهو جاهل”. هذا المنافق التركي يحاول أيضا أن يظهر كما لو أن “سيفر لم يتم التوقيع عليه” و “إنه معروف في المجتمع الدولي كمعاهدة، ولكنه كان مجرد مشروع قد بقي على حاله”.
أشار أحمد أنابال في هذه المقالة إلى مصطفى كمال، ويعرض هذا المقطع عن الموضوع من “خطابه” الأخير والمعروف “أيها السادة، بعد توقيع وقف إطلاق النار في مودروس، فرضت القوى المنتصرة شروط سلام على تركيا أربع مرات. أحدها هو مشروع سيفر للسلام، الذي تم تقديمه دون مناقشة من قبل قوى الوفاق بمشاركة رئيس الوزراء اليوناني فينيزيلوس. تم التوقيع عليه من قبل حكومة السلطان وحيد الدين في 10 آب عام 1920”. (…) “كما ترون، يدعو مصطفى كمال باشا هذا النص دائما بالمشروع. (…) وكذلك يفعل عصمت إينونو في مذكراته”.
من الجدير بالذكر إلى أن المؤرخ التركي الذي يقتبس كلمات أتاتورك في الواقع يعترف بشكل لا إرادي بتوقيع معاهدة سيفر. يحاول أنابال تشويه هذه الحقيقة من خلال “إثبات” حقيقة أن هذه الوثيقة لم يتم توقيعها من قبل السلطات الكمالية في أنقرة، ولكن فقط من قبل السلطان العثماني في إسطنبول، متجاهلة حقيقة أنه في ذلك الوقت كانت حكومة إسطنبول فقط هي المعترف بها من قبل القوى الأخرى كحكومة تركية شرعية.


تم انتقاد هذا النهج غير العلمي للمزورين الأتراك بشدة حتى من قبل بعض المؤرخين الأتراك. على سبيل المثال، أحد المؤرخين الأتراك المعروف بنشر وثائق طلعت باشا، مراد برداقجي ، كتب في 12 آب عام 2018 في صحيفة “هابرتورك” الدورية تحت عنوان “ها هي وثائق معاهدة سيفر التي يقولون إنها غير موجودة” حول مقاربة رفيق توران والجمعية التاريخية التركية التي تقول: “اتضحت أن الجمعية التاريخية التركية ستعمل على تقديم سيفر في المدارس على أنها “وثيقة” وليست “معاهدة”، حيث اتضح أنه لا وجود لمعاهدة تحت اسم “سيفر”. صحيح أن هناك وثيقة، ولكن لا يمكن أن تكون “معاهدة”.
حسنا، نحن لسنا معتادين على الحديث عن هزائمنا، نحاول ألا نتذكرها حتى عندما يكون من الضروري تصحيح أخطائنا. (…)
“لم تصادق تركيا على سيفر، لكن المندوبين الأتراك وقعوا عليه، وقد صدق على المعاهدة في الأشهر اللاحقة رؤساء وملوك ومجالس بعض الدول الأخرى التي وقعت على المعاهدة”.
في هذا المقال نشر مراد برداقجي العديد من الوثائق المتعلقة بمعاهدة سيفر المحفوظة في الأرشيف العثماني التركي مشيرا إلى أنه “كيف يمكن تجاهل هذه الوثائق؟”.

ويؤكد الكاتب التركي أيضا أنه على الرغم من مضي ما يقرب من قرن على توقيع معاهدة سيفر، إلا أنه لم يتم إجراء دراسة شاملة من قبل العلماء الأتراك حول هذا الموضوع، ومن عواقب ذلك الاعتقاد الخاطئ المنتشر في تركيا بأن سيفر يتكون من معاهدة واحدة فقط أبرمت بين الحلفاء وتركيا، في حين أن هذه الوثيقة هي “سلسلة كاملة من المعاهدات”.
أكد برداقجي الذي يواصل انتقاده لمبادرة الجمعية التاريخية التركية في نهاية المقال: “إن الجمعية التاريخية التركية التي ينبغي أن تكون المؤسسة الأكثر جدية في بلادنا من حيث التأريخ، قادرة على الادعاء بأن “سيفر ليست معاهدة”. باتباع الجمعية التاريخية التركية تلك المنطق حول سيفر، يمكننا تقديم ادعاءات غريبة أخرى. على سبيل المثال، نظرا لحقيقة أن الأحكام الثقيلة لمعاهدة سان ستيفانو الموقعة مع روسيا في 3 أذار عام 1878 تم تخفيفها خلال مؤتمر برلين الموقع في 13 تموز من العام نفسه، فلا يوجد هناك معاهدة تسمى “سان ستيفانو” في تاريخنا. حتى من دون ذلك كنا نردد أكاذيبنا حول تاريخنا الحديث لسنوات، والآن بقولنا إن “سيفر ليست معاهدة بل وثيقة” سنصبح موضع سخرية أمام العالم العلمي؛ وفي غضون بضعة أجيال سنجد أنفسنا موضع سخرية أمام مؤرخينا الجادين في المستقبل وعاجزين تماما.
ليسامحنا رئيس الجمعية التاريخية التركية د. رفيق توران المتخصص في تاريخ السلاجقة. إن أبرز مؤسسة في الدولة والتي تدرس تاريخها ليس لها حق مطلق في وضع مثل هذه التسمية المخزية على التأريخ التركي بمثل هذا الهراء “

في الواقع، لا يزال كابوس سيفر يزعج المؤرخين والصحفيين الأتراك. لكن من اللافت أن موضوع سيفر لا يتم مناقشته في الصحافة الناطقة باللغة التركية بشكل خاص لأسباب معروفة، والمذكور منها في الصحف تشدد بشكل خاطئ.
من المثير للاهتمام أنه في العام الماضي في 10 آب عام 2019، تطرق الصحفي التركي محمد مظلوم جيليك إلى الموضوع على الموقع الإنجليزي الرسمي “Independent” المعني بخدمة اللغة التركية، بهدف تضليل القراء الناطقين باللغة الإنجليزية.
وهكذا، يشير الكاتب التركي أولاً في مقاله بعنوان “مذكرات خطايا الداماد فريد باشا في ذكرى معاهدة سيفر” إلى محاولة اغتيال الوزير الأعظم للإمبراطورية العثمانية الداماد فريد باشا في تلك الأيام، مؤكدا أن الأمر كان من تنظيم الداماد فريد نفسه من أجل التخلص بشكل أو بآخر من الموقف السلبي للشعب التركي ضده، ويظهر لاحقا كما لو أن المثقفين البريطانيين كانوا ضد الاتفاقية أيضا.
يحاول التأريخ الرسمي التركي في السنوات الأخيرة تطوير مناهج جديدة لتقديم معاهدة سيفر إلى المجتمع التركي. ومع ذلك، فقد انتقد عدد من المؤرخين الأتراك الاقتراح السخيف بتقديمهم لهذه الاتفاقية كوثيقة وليس كـ “معاهدة”.

على الرغم من أن وسائل الإعلام التركية تحاول تغطية هذا الموضوع غير المرغوب أقل ما يمكن، إلا أن “شبح” سيفر يواصل ملاحقة السياسيين والمثقفين الأتراك.
القضية قضية الشعب الأرمني
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.