بقلم فكرت البغدادي
إن منطقة القوقاز كانت ولازالت منطقة تصادم بين الامبراطوريات والدول الكبرى ففي الماضي كان الساسانيين ومن بعد الساسانيين جاءت الامبراطورية الرومانية واليونانية لتثبيت حضورها وتضع بصماتها الجيوسياسية في هذه المنطقة المهمة والحيوية وبعدها البيزنطيين ثم استمر هذا الصراع الامبراطوري على هذه المنطقة عندما ظهر السلاجقة الاتراك والعثمانيين والفرس والروس في حروبهم مع الايرانيين في عهد الدولة الزندية والقاجارية ونزول الروس من الشمال واحلامهم الوصول الى المياه الدافئة. هذه الصراعات الكونية تثبت ان منطقة بحر قزوين والقوقاز استراتيجيا تعتبر حزام فاصل بين الشرق والشمال الجنوب وبالتالي من الطبيعي جدا ان نرى صراعا تاريخيا متأصلا على مدار اربعة الاف عام بامتياز وهذه المنطقة هي منطقة تصادم ثقافي وحضاري واثني وجيوسياسي وان لم يكن معلنا الان بين الولايات المتحدة والناتو وحلفائهم من جهة وروسيا وايران وحلفائهم من جهة اخرى صراعا دراماتيكيا ليس الهدف منه مصادر الطاقة فحسب فأرمينيا بالنسبة للقوقاز واسيا الوسطى موقعا مهما جغرافيا من يتحكم بها يتحكم بالممر الجغرافي بين بحر قزوين والبحر الاسود أذن الوضع الجيوستراتيجي لأرمينيا وكاراباغ وضعا مهما. اما اذا رجعنا الى التاريخ قليلا فهناك حلم تركي معلوم للجميع لازال يراود النخبة التركية وقيادتهم الا وهو اعادة بناء الدولة الطورانية من حدود الصين حتى تركيا الحالية وحدود البلقان نزولا الى الشمال السوري وهي المنطقة التي تضم جميع الدول الناطقة بالتركية لكن موقع ارمينيا يقف بوجه هذا الحلم كحجر عثرة وهذا احد اشكال الصراع الكوني الاستراتيجي في منطقة غرب اسيا وشرق اوربا والقوقاز.
ناغورنو كاراباغ ارتساخ كلمة روسية تعني جبال وقره باغ بالتركية فتعني الحديقة السوداء اما الارمن فيسمونها ارتساخ اي الغابة او الاله أما الأذر فيسمونها بوخاري كاراباغ اي كارباغ العليا.
ناغورنو كاراباغ ارتساخ تقع في قلب القوقاز بين ارمينيا من الشرق وداخل أذربيجان وجنوب جورجيا وشمال ايران غير معترف بها دوليا الزعيم البلشفي ستيبان شاهوميان تبلغ مساحة الاقليم 4800كم2 يقع هذا الاقليم غرب العاصمة الاذرية باكو بنحو 270كم. عدد سكانه 145 الف نسمة ذات اغلبية ارمينية اي بنسبة 95% ارمن و 5% من اعراق اخرى صوتوا بشكل كامل للاستقلال عن أذربيجان عام 1991م وكان الأذر معظمهم من المسلمين الشيعة مع وجود البعض من السنة الاكراد واما الارمن منهم من المسيحيين الارثوذكس والكاثوليك. حصد الصراع في ناغورنو كاراباغ او ارتساخ اكثر من 30 الاف قتيل وعشرات الالاف من المهجرين وهو تاريخيا جزء من ارمينيا اما جغرافيا فيقع داخل اذربيجان ضم الاقليم عام 1923 الى اذربيجان في عهد ستالين ارضاءا للأذريين وتنفيذا لسياسة فرق تسد التي تبناها هاستالين مع دول الاتحاد السوفياتي وحتى عام 1920 كانت ناغورنو كاراباغ او ارتساخ تتمتع بوضع ذاتي مستقل بالرغم من كل المحاولات التغيير الديموغرافي في هذا الاقليم لم ينجحوا في تغييره حيث بقيت نسبة الـ85% ولكن بعد عام 1988 ارتفعت النسبة الى 95% ارمني بسبب نزوح باقي الاعراق الى اذربيجان وايران بسبب الحرب.
لم تعترف ارمينيا حتى بأستقلال كاراباغ ولم يعترف المجتمع الدولي حتى الان لانه اي خطوة بأعتراف ارمينيا باستقلال كاراباغ قد تؤدي الى الحرب واستنزاف الاطراف الاقليمية المتصارعة في هذا الاقليم ويعني فتح الابواب امام حرب طويلة الامد بين الطرفين الارميني والاذري وقد تؤدي الى تدخل الاطراف الاقليمية والدولية التي لها مصالح في القوقاز والمنطقة. لكن اذا استمر الحال على ماهو عليه ولم تتوصل الاطراف الى حل سلمي للازمة سوف تقوم ارمينيا بالاعتراف باستقلال كاراباغ.
ان منطقة أو اقليم كاراباغ كان ضمن الامبراطورية الروسية في الفترات القديمة خلال اتفاقية شونت شاي الذي وقع في 14 آذار عام 1805م حيث وقع هذا الاتفاق السيد شوسنكي السفير الروسي بالاضافة الى الجنرال كيم ينس الروسي وهنا حسب ما يذكره الاذريين ان الطرف الارميني بدء الدخول الى الجانب القوقازي في كاراباغ عام 1828 بحسب اتفاقية شونت شاي التي تم توقيعها بين روسيا وبلاد فارس وان مئات الالاف من الاذريين غادروا القوقاز الى جنوب اذربيجان ووقعت السيطرة الارمينية بمباركة السفير الروسي في بلاد فارس كريكور ليدوف ارسل الارمن وبعشرات الالاف الى هذه المناطق لكي يستقر وهناك وبالتالي فأن السياسات الروسية السابقة حققت الاهداف الذاتية في هذه المنطقة من خلال تغيير ديموغرافيتها. فكل طرف من الاطراف يعطي لمحة تاريخية متوافقة او متناقضة مع الطرف الاخر حسب سياسته وما يرسمه من ابعاد للمستقبل.
فتأريخا لم يكتب التاريخ بأن هناك دولة اسمها أذربيجان الا في العصر الحديث أي بعد انفصال الجمهوريات المستقلة عن الاتحاد السوفيتي حيث ان أذربيجان كانت دائما جزءا من بلاد فارس أو ايران عبر التاريخ وكان يحكمها الساسانيين في الماضي البعيد وحتى الصفويين اخر دولة مماليك الايرانية.
حيث كانت اذربيجان منطقة فاصلة بين الشمال الروسي والجنوب الاسلامي بعد الاسلامي لكن مع ذلك كان هناك الملك الارميني ديكران الثاني الذي تمكن من تحرير ارمينيا من قبضة الدولة الاخمينية الايرانية التي حكمت ايران سنة 88ق.م.
اما ارمينيا فتأريخيا كان لها هناك كيان سياسي وجغرافي ودولة وقانون اما العنصر التركي الطوراني الذي كان له امتداد جغرافي من شرق الصين وحتى تركيا الحالية نعم فقد حملتا الدولة السلجوقية هذا البعد العرقي وبعد بـ 5 أو 6 قرون كان هناك الخلافة العثمانية.
ان الصراع في ناغورنو كاراباغ أو ارتساخ كما يسميها الارمن لم ينتهي بنهاية العمليات العسكرية التي بدأت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1988 وانتهت عام 1994 بوقف لاطلاق النار وتشكيل خطوط تماس بين الاذريين اي ما يعرف بهدنة بشتك فمع تجديد الخروقات المستمرة بين الطرفين مع بعضهما وبخرق الهدنة وزعزعة الامن والاستقرار ومحاولات التدخل والمناوشات المستمرة.
يبدو جليا ان ما يجري وراءه ايادي عديدة من بينها ايادي اقليمية لها مصالح حيوية وجيوسياسية واقتصادية وصراع نفوذ وصراع مصالح وحتى صراع نفط وغاز. فتصريح تركيا المساند لاذريبجان وما خرج به الرئيس التركي من انه سيدعم اذربيجان حتى النهاية وكذلك تصريح السيد احمد اوغلوا في اجتماع مجلس النواب التركي وتصريحه ليعلم العالم برمته ان تركيا ستسير بجانب اذربيجان حتى يوم القيامة وسنواصل دعم اذربيجان بشكل شيء حتى التحرير يبدو من خلال هذه التصريحات والتحليلات السياسية ان هذه الدول مستفيدة من ما جرى ويجري في كاراباغ وانها كانت بشكل مباشر وراء زعزعة امن واستقرار اقليم ناغورنو كاراباغ وبحسب تصريحات لمسؤولين روس وغير روس ان هناك تحريض اقليمي فيما جرى ويجري في اقليم كاراباغ.
اما الرئيس الاذري الهام كلييف فقد صرح ان الطرف الارميني والكاراباغي هو من يبدأ المواجهات باستهداف المدنيين الاذريين الذين يعيشون قرب الخطوط الامامية في ناغورنو كاراباغ وخاصة في ظل وجود وتخطيط القواعد الروسية المتمركزة في ارمينيا وان الروس يدعمون وذكر انه لاوجود لقواعد تركية على الاراضي الاذرية لكن نسّي ان هناك دعم تركي وان الطرف الارميني يتهم الاذريون انهم استعانوا بمرتزقة اجانب من افغانستان والشيشان وغيرهم في الحرب الاخيرة التي استمرت لمدار اربعة ايام عام 2006. عقدت مؤتمرات عديدة ولقاءات جمعت مسؤولين اوربيون وروس واتراك وارمن من اجل حل هذه الازمة او التوصل الى اتفاق منها مؤتمر مينسك (منظمة الامن والتعاون الاوروبي) وكذلك لقاءات في واشنطن جمعت الرئيسين الارميني والاذري بالاضافة الى التركي لكن من دون وجود روسي ومن الواضح ان المصالح الروسية الى حد ما تحسرت بسبب هذا التجاهل وبالتأكيد لربما ان هناك دور روسي رئيسي في هذا الصراع وبكل الاحوال سيبقى تراشق الاتهامات بين الفرقاء المحليين والاقليميين والدوليين حاضرا في هذه الازمة.
اما عن الدور الروسي في هذه القضية فهو سلوك كانت ولازالت تخطط لاشعال هذه الازمة فهي تعمل على تسليح كلا الطرفين الارميني والاذري والهدف الرئيسي للروس هو الاستيلاء على الاراضي التي تمر فيها خطوط انابيب النفط وحرمان اوروبا من مصادر نفط اذربيجان وتركمانستان الروس يريدون احراج تركيا وتقييد دورها المتعاظم في الشرق الاوسط والقوقاز. أذن فروسيا مستفيدة بشكل أو بأخر مما يجري من صراع في ناغورنو كاراباغ والقوقاز.
قد يتفجر الصراع من جديد على اقلم ناغورنو كاراباغ في أية لحظة كما تفجر في نيسان عام 2016 وتجددت الاشتباكات هذه حقيقة قد تفرضها المعادلات الدولية ومصالح الدول الكبرى هذا النزاع الذي يعد نزاعا مجمدا تخرجه هذه الدول وقتما تشاء فهل يتكرر سيناريو عام 1988 ويتفجر الوضع على الارض وسقط القتلى والجرحى وتهجر الاسر الامنة من الطرفين وكأنهما يستعدان لهذه الخطوة بعد هدنة هشة وقعت عام 1994 في اعقاب حرب ادت الى سقوط ثلاثون الف قتيل من الطرفين وهجرة عشرات الالاف من الجانبين.
هذه الحرب التي تدخلت بها اطراف اقليمية لها مصالح اقتصادية وجيوسياسية تارة يدخل الرئيس التركي على الخط ليعلن بوضوح دعمه الكامل لاذربيجان في حين تعلن روسيا نفسها حليفا ستراتيجيا لارمينيا وبعدها يعرب الاوربيون والروس والامم المتحدة قلقهم مما يجري كذلك تفعل ايران التي تقف موقف المتفرج الذي ينتظر النتائج لينال نصيبه من هذا الصراع وتعرض وساطتها لحل هذا النزاع.
تخشى الدول الاوروبية والناتو والولايات المتحدة من دور روسيا المتعاظم في الاقليم القوقازي لايلقى ترحيبا من بعض الرؤوس الحامية دوليا واقليميا في الاقليم والعالم مشيرين الى رغبة البعض في اشغال موسكو في قضايا اخرى في مناطق وازمات ساخنة لاتحل الا بمشاركة روسيا ورغم ان العامل الاقتصادي يجب ان يكون في الحسبان فبحر قزوين عائم على مليارات الامتار المكعبة من الطاقة اي مليارات الدولارات فجزء كبير من انابيب (نابوكو) الاستراتيجي يمر في اذربيجان ومنها يقترض ان يصل الى اوربا فهل هذا يزعج موسكو بسبب عدم مرور هذا الخط من اراضيها ومن ثم فقدانها التحكم بالطاقة وما اهمية الاتحاد الاقتصادي الاوراسي الذي عملت عليه موسكو هل ما جرى ويجري في اقليم ناغورنو كاراباغ وجه جديد من اوجه الصراع الروسي الامريكي وهل وقف اطلاق النار الذي تم التوصل اليه مؤقتا او الهدنة بين الطرفين هي بداية لحل ام ان النار مازالت تحت الرماد وماذا عن الدور الاسرائيلي ودورها في القوقاز وتعاونها مع اذربيجان وبيعها اسلحة متطورة وطائرات لماذا فجأة اندلعت الاشتباكات وتجدد الصراع وتوقف بعد اربعة ايام بعد سلسلة اتصال ومشاورات وتدخلات من دول اقليمية فما الذي يحققه هذا الصراع او ايقافه لهذه الدول ومصالحها.
فمن جانب تركيا مع اذربيجان فالعلاقة تاريخية لها جذور دينية وعرقية ويعرض الاتراك دعمهم الدائم للاذريين وبكل الوسائل وتؤيد اذربيجان في مواقفها وانهم اي الاتراك سيدعمون الاذريين الى ما لانهاية وبوسائل متعددة فكيف اذن وبأي شكل من الاشكال سيذهب الاتراك الى هذا الدعم هل هو دعم عسكري ام لوجستي ام ماذا؟. ان تركيا واذربيجان في حقيقة الامر دولتان لكن من الناحية الاخرى العرقية والدينية هم بلد واحد ونلاحظ هذا من دعم الحكومة التركية لأذربيجان في القضايا المتعلقة بالارمن وقضية ناغورنو كاراباغ فهناك توأمة قضية بين هذين الطرفين تركيا واذربيجان.
اما روسيا فهي الضامن الرئيسي لأمن ارمينيا ولها قاعدة في ارمينيا في غيومري وحوالي 5000 جندي وظيفتهم ردع أي تدخل واعتداء على ارمينيا وان الدعم الروسي لأرمينيا من خلال عوامل وعلاقات ستراتيجية وتاريخية ودينية بين البلدية ترجع جذورها الى فترات قديمة جدا وان لدى روسيا تأثير اقتصادي كبير واتصالات واسعة مع دول كثيرة تستطيع من خلالها ممارسة الضغط على تركيا واذربيجان فبالتالي ان لدى موسكو مفاتيح الحل.
ومن المفارقة ان روسيا التي تدعم الارمن سياسيا تسلح الطرفين الاذري والارمني مستخدمة سياسة التوازن وابقاء الطرفين من صراع دائم من اجل اصنافهم والسيطرة على الاوضاع أو مسك العصا من الوسط فهل هناك رغبة روسية في تأجيج الاوضاع والصراع واضعاف الاطراف من اجل اهداف وابعاد استراتيجية وهي بنفس الوقت جزء من الاتفاق ومن منظمة الامن والتعاون الاوروبي (مينسك) مع فرنسا والولايات المتحدة.
يبدو ان الروس هنا يركزون على الجانب المهم والخطير وهو النفط والغاز وخطوط الانابيب (نابوكو) الممتدة الى اوروبا والتي تعتبرها روسيا انها موجهة ضدها لانها لاتمر باراضي روسية ووقوع اقليم ناغورنو كاراباغ في قلب القوقاز وجغرافيا قريب من منابع النفط والغاز وتتشابك حوله المصالح الاقليمية والدولية بين الدول الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وايران والاتحاد الاوربي لاتي لها مصالح في هذه المنطقة وابعاد ستراتيجية تم العمل بخط نابوكو عام 2002 لتقليل الاعتماد على واردات الغاز الروسي هذا الخط يمتد من بحر قزوين ويمر باذربيجان وجورجيا وتركيا ثم بلغاريا ورومانيا والمجر ومنها الى باقي اوربا الغربية وكان ومايزال مثار جدل حيث بلغت كلفت 10 مليارات دولار وانه ازعج الروس بدليل ان الروس عملوا على خط ساوث ستريم لكن اوقف العمل فيه عام 2014م.
اهمية خط تابوكو بالنسبة لأوروبا ذات اهمية كبيرة حيث مرت اوربا ودول الغرب بمشاكل اقتصادية اثناء ارتفاع اسعار الطاقة والذي جعل من روسيا تتحكم بمنابع واسعار النفط والغاز هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فلا يوجد جمهورية من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق من يقف مع الغرب كأذربيجان في القواز واوكرانيا في المشرق الاوروبي فتعتبر اذربيجان في نظر الغرب شوكة في خصر الدب الروسي.
وان خط انابيب نابوكو هو احد ادوات الحصار الامريكي الاوروبي على روسيا فأن ضخ الغاز في هذا الخط عبر جورجيا وتركيا الى اوروبا فهذا سيقلل أو يحرم الروس من قدراتهم الاقتصادية لان روسيا هي اكبر دولة منتجة للغاز في العالم ولديها اكبر احتياطي ايضا وبعدها تأتي ايران وقطر التي توالي الغرب ولاتشكل تهديدا على الولايات المتحدة والغرب وان ضخ الغاز الأذري بشكل مستمر ودائم فهذ الاخر تسبب بخسارة وعدم سيطرة الدولتان روسيا وايران على الاسعار او الضغط السياسي على الغرب وامريكا. اذن تبني الغرب لهذا الخط (تابوكو) هو خيار ستراتيجي مهم جدا اذا ما تمكن منه بالفعل فسيشكل قدرة تهديد حقيقي للنفوذ الروسي في القوقاز وبحر قزوين.
يدب ان نأخذ في الحسبان ان ما يحدث الان هو صراع خطير متعدد ومركب حيث هناك بعد ديني لايجب اخفاءه بين الكنيسة الارمينية من جهة والكنيسة الروسية من جهة اخرى وهناك معاهدة تعاون عسكري بين روسيا وارمينيا تم توقيفها سنة 1996م وهذا ما يفسر التواجد العسكري الروسي باعتباره وجودا ستراتيجيا في ارمينيا. اما اقليم كاراباغ فيعتبره الارمن ارمينيا وجزء لايتجزء من ارمينيا التأريخية ماضيا وحاضرا وسيبقى في المستقبل من خلال المخطوطات والكنائس والاثار والاديرة والكنائس الارمينية عبر التاريخ.
موقف واهداف الولايات المتحدة المعلن من قضية ناغورنو كاراباغ
ان هدف الولايات المتحدة هو ايجاد حزام حقيقي موالي للغرب في القوقاز يمتد من تركيا الى الصين يمنع تمدد أو نزول روسيا الى جنوب القوقاز او بحر قزوين فلو رجعنا الى الوراء واستدعينا الحقائق لثلاثة الاف سنة الماضية سنكشف مجموعة معطيات لها دلالات واضحة ومهمة.
1- تعاون تاريخي واقتصادي كبير جدا بين ارمينيا وايران وهذا تاريخيا ثابت من خلال وجود جالية ارمينية قديمة في ايران قامت ببناء الكنائس والجمعيات والمؤسسات وكان للأرمن مزايا نوعية في ايران وتعاون استراتيجي بين ايران وارمينيا.
2- ان تفجر الوضع ولقتال في ناغورنو كاراباغ لاقدر الله هو اختبار امريكي لمقدرة روسيا وايران على دعم واستقرار حلفاءهم في ارمينيا وان الهدف هو قطع التواصل الروسي الايراني وابعاد ارمينيا عن هذا الحلف.
3- هناك مشروع امريكي طرحه المفكر بيل غوبل لايجاد وحل لمشكلة الصراع في ناغورنو كاراباغ قال ان من المحكم ان نضم منطقة زانا كازور الى اذربيجان وتأخذ ارمينيا كاراباغ واراد حل المشكلة عن طريق نتبادل الاراضي كما هو الحال في قطاع غزة واسرائيل القرن الماضي وبالتالي اذا حدث هذا التبادل في القوقاز فسيصبح الطريق ممهدا لتركيا لانشاء الدولة التركية الكبرى من الصين الى تركيا.
فقد قدمت الولايات المتحدة اكثر من مقترح عن طريق منظمة الامن والتعاون الاوربي (مجموعة مينسك) لعملية التسوية بين الطرفين ولايجاد حل سلمي لازمة ناغورنو كاراباغ فهل يسقط الحل العسكري ويذهب اطراف الصراع الى التفاوض والجلوس.
اقول ان مصلحة العالم والدول وارمينيا واذربيجان ايجاد حلول سلمية والجلوس على طاولة مفاوضات بشأن هذه المسألة حتى لو كان هناك بعض التنازلات ولكن ارمينيا تريد ان تكون هناك تنازلات متوازنة ومتكاملة وتسوية عادلة وحل سلمي فهمهم الاساسي هو ضمان امن وسلام شعبهم وشعب ارتساخ واحترام رغبته في تقرير المصير حيث هي الجهة المفاوضة أي ارمينيا نيابة عن شعب كاراباغ وممثلا له فهم من الناحية الاثنية والدينية والعرفية شعب واحد.
اما عن الولايات المتحدة ودورها فقي هذا النزاع فيبدو الى حد ما غامضا فيفترض من الولايات المتحدة وهي لاعب دولي فاعل ان تقدم خطة او حل اذا ما حسنت النوايا وكانت الولايات المتحدة تريد حلا تفاوضيا كما قال كيري وزير خارجيتها الاسبق لكن سياسة الولايات المتحدة معروفة اي استخدام الازمة اي خلق ازمة جديدة حتى يدير وازمة اكبر. فالصراع الكبير في منطقة القوقاز وبحر قزوين يبقى على النفوذ الوجودي بين روسيا من جهة مع ايران حتى لم تعلن الدولتان عن هذا الصراع وفي المقابل هناك الطرف الاخر اي الولايات المتحدة واوروبا أذن هل سيبقى الصراع مشتعل ومحتدم والنار تحت الرماد في هذه المنطقة.
الدور الاسرائيلي
في اطار العلاقة الاستراتيحية والتحالف الوجودي بين اسرائيل من ناحية والولايات المتحدة واوروبا من ناحية اخرى نستنتج ان من مصلحة اسرائيل ان تقوم بلعب هذا الدور لانها بهذا الشكل اي تحالفها مع ارذربيجان تحقق هدفين او ثلاثة اهداف في وقت واحد. الهدف الاول ايجاد نوع من عدم الاستقرار في منطقة بحر قزوين والقوقاز وهذا سيقلق المصالح الحيوية الروسية في بحر قزوين فجغرافيا اذربيجان تفصل بين ايران جنوبا وروسيا شمالا ويمكن جدا في المستقبل وعند اندلاع حرب اختراق ايران من بوابة اذربيجان على الرغم من ان معظم سكان اذربيجان هم من المسلمين الشيعة الا ان في السياسية كل شيء ممكن.
اما عن الدور الايراني في هذا الصراع، فإيران تقف موقف المتفرج فهناك اكثر من 30 مليون أذري يعيشون في ايران ويعتبرون شمال ايران هو جزء من اذربيجان فترى ايران ان انشغال اذربيجان في صراع مع ارمينيا ودول اخرى هو مكسب سياسي لها. اضافة الى المصالح والتعاون الاقتصادي بين ارمينيا وايران فايران هي المنفذ لارمينيا وخاصة بعد المشاكل التي حصلت عام 2008 بخصوص اوسيتيا فهذا يخدم مصلحة ارمينيا حيث انضمت الى الاتحاد الاوروبي بعد ان كانت مخيرة من الانضمام بين الاتحاد الاوروبي والاتحاد الاوراسي ففي النهاية انضمت للاتحاد الاوراسي. فهي بذلك تحمي نفسها واقتصادها رغم الحصار المفروض عليها من قبل تركيا واذربيجان منذ العام 1993 بسبب النزاع حول اقليم ارتساخ (ناغورنو كاراباغ).
فقد ولدت هذه الظروف مجتمعة علاقات اقتصادية ومتجذرة بين ايران وارمينيا. اما عن دور اسرائيل في هذه القضية وعلاقتها الواضحة مع اذربيجان فيبدو جليا من خلال العقود التي وقعها الاسرائيليون والاذريون وصفقات الاسلحة التي تقدر قيمتها بـ1.6 مليار دولار حيث تعود جذور هذه العلاقات الى فترة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وهي التي جعلت العلاقات الاذرية- الايرانية تتوتر وتتباعد حيث انعكاسات وتأثير هذه العلاقة على الداخل الايراني والتي يعتبرها الايرانيون خطرة بسبب وجود اكثر من 25% الاذريين في ايران كمواطنين وخوفا من التواصل والتدخل الاسرائيلي عن طريق هؤلاء اذن هل هناك عقود اخرى بمليارات الدولارات فالدولتان تدعمان بعضهما البعض حسب مصادر الواشنطن بوست وصحيفة هاريتس الاسرائيلية.
ففي اعقاب تدهور العلاقات الاسرائيلية التركية حيث ان هناك من يصف اذربيجان بأنها حليف استراتيجي وشريك لاسرائيل في القوقاز فأذربيجان التي تعتبر جارة وخصم لايران في نفس الوقت تشكل بالنسبة لاسرائيل والولايات المتحدة بابا وفناءا خلفية في حالة مع ايران فأنها ستفتح اراضيها ومطاراتها العسكرية اضافة الى طرح مشاريع اقتصادية مستقبلية بين الطرفين في المستقبل كفتح الغاز المستخرج من البحر المتوسط.
ان امتناع اسرائيل من الاعتراف بابادة الارمن على ايدي الاتراك أبان الحرب العالمية الاولى يعود الى العلاقة بين اسرائيل واذربيجان. وهذا في الواقع يثير الى اكثر من سؤال ويطرح اكثر من علامة استفهام على العلامة الوطيدة بين الطرفين الاسرائيلي والاذري حتى ان الطرف الارميني اسقط خلال الصراع الاخير مع اذربيجان في نتاغورنو كاراباغ انه اسقط طائرة بدون طيار اسرائيلية الصنع من نوع (باتندربي).
سيناريوهات الحل
في اعتقادي الشخصي لايوجد هناك طرق محايدة في ايجاد مخرج لهذه الازمة التي هي في الواقع ورقة تستخدمها الدول الكبار لمصالحها ووجودها وقتما تشاء. فالروس لهم معاهدة عسكرية وستراتيجية مع الارمن وايران ايضا هناك تعاون بينها وبين ارمينيا فهي منفذ ارمينيا نحو الجنوب حيث الصادرات الارمينية الى الجنوب والتبادل التجاري.
بالمقابل هناك انحياز تركي وغربي لاذربيجان لاسباب قومية او اقتصادية او طاقة ونفط فلا يوجد طرف محايد في هذا الصراع فلمن ستكون الغلبة في النهاية اذا لم يتوافق الغرب مع المصالح الاستراتيجية لروسيا وايران اعتقد ان الامور ستأول الى حالة من الانحسار الاستراتيجي للنفوذ الغربي والامريكي في منطقة القوقاز وبالتالي اذا ما استشعرت قوة من القوى الدولية المتصارعة انه هناك سوف ينالها هزيمة مؤكدة في احد هذه الملفات الثلاثة فأن كل هذه القوى فروسيا عنيدة جدا في اوكرانيا والقوقاز لانها مسألة حياة او موت بالنسبة لها وهذه المنطقتين يعتبران نطاق جغرافي حيوي مباشر للامن القومي الروسي والوصول الى الجنوب فأرمينيا بالنسبة لروسيا مهمة حيث تصلها بايران والشرق الاوسط اي انها مجالا حيويا ستراتيجيا من الناحية الجغرافية وحتى لتركيا ايضا فأرمينيا هي الجدار الذي يقف بوجه التمدد التركي نحو الشرق خاصة وان دول اسيا الوسطى تربطها مع الاتراك علاقات عرقية وتاريخية ودينية واقتصادية. اذن هل من مصلحة هذه الاطراف حلا سلميا للازمة وهل تريد هذا الحل ام تبقى مسألة القوقاز وناغورنو كارباغ ورقة مصالح بيد الدول تثيرها وقتما تشاء.
القضية قضية الشعب الأرمني
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.