أخبار عاجلة
الرئيسية / الأخبار / أسوأ جرائم التاريخ .. هكذا وثّق الألماني “لبسيوس” مذابح الأتراك ضد الأرمن.

أسوأ جرائم التاريخ .. هكذا وثّق الألماني “لبسيوس” مذابح الأتراك ضد الأرمن.

“إن إبادة الأرمن هو محور سياستهم الوطنية. وقد توصلت إلى هذه القناعة من خلال حديث طويل مع أنور باشا نفسه”، -وهو أحد أشهر الخونة الأتراك خلال الحرب العالمية الأولى-، هكذا سجّل القس الألماني “جوهانس لبسيوس” شهادته على مذابح الدولة العثمانية بحق الأرمن، التي وقعت قبل نحو قرن من الزمان.

ففي كتابه المعنون “أرمينيا وأوروبا”، وثّق الدكتور الألماني لبسيوس بشكل مفصل المذابح العثمانية بحق الأرمن، إذ قال: “كانت المجازر في أرمينيا وسيلة إدارية لجأ إليها (الباب العالي)، والتي كانت تهدف عن طريق إفناء الأمة الأرمنية إلى جعل الإصلاحات التي كانت تطالب بها الدول العظمى غير قابلة للتطبيق.. إن الشيء الذي يستحق الإدانة ليس هو رغبة الدبلوماسيين الأوروبيين في أخذ قضية شعب مسكين ومذبوح على عاتقهم، بل هو قيامهم بهذا الشيء بطريقة اضطرت الأرمن إلى الدفع من دمائهم ثمن سياسات هؤلاء الدبلوماسيين”.

شهادة لبسيوس تمتاز عن غيرها، بحكم كونه ألمانيًا، وبلاده كانت حليفة العثمانيين، في تلك الفترة، مطلع القرن العشرين، ومن ثم شهادته بريئة من تهمة الخصومة السياسية، وأيضا مبنية على مشاهدات، ووقائع، بسبب حرية الحركة التي نالها، لكونه أحد مواطني دولة حليفة.

“يجري اضطهاد ضد الأرمن، لدرجة أنه لا يُقارن بأعمال الاضطهاد التي قام بها نيرون، علاوة على ذلك فهي أسوأ جريمة في التاريخ المسجل حتى الآن”، لبسيوس كشف عن سكوت الألمان عن المذابح، مقابل التحكم بالجيش العثماني، ونشر تقارير، وكتب عن الاضطهاد التركي. وأسهم في تأسيس “الجمعية الألمانية – الأرمنية” التي قامت بدور في دعم، ومساعدة ضحايا المذابح.

الملاك الحارس
خلال الحرب العالمية الأولى، نشر لبسيوس تقريرا بعنوان “تقرير حالة عن الأرمن في تركيا”، وثّق فيه المذابح الأرمنية، وأدانها.

في كتابه بعنوان “الطريق إلى موت الشعب الأرمني” نشر مقابلته مع الجنرال أنور باشا، أحد الباشوات الثلاثة الذين حكموا تركيا، منذ العام 1909 حتى 1918، وكان أحد أهم مهندسي المذابح.

لبسيوس اضطر إلى نشر المقال، والكتاب سرًا، بسبب منع هيئة الرقابة على المطبوعات الألمانية نشر أعمال تسيء إلى تركيا، حليفة ألمانيا في الحرب، ورغم الرقابة نجح في نشر 20 ألف نسخة من التقرير.

مع نشوب الحرب العالمية شنت الحكومة العثمانية، حملات اعتقال جماعية بحق الأرمن، وتهجيرهم إلى صحراء سورية، في معسكرات خاصة، وخلال الرحلة التي امتدت مئات الأميال، تم تصفيتهم بالتجويع، والتعذيب، فضلا عن التصفية الجسدية، ولقي 1.5 مليون أرمني حتفهم، خلال المذابح التي استمرت حتى نهاية الحرب، وشهد عام 1915 ذروتها.

جهود عديدة بذلها لبسيوس لتخفيف المعاناة الأرمنية، فنظم أعمال الإغاثة الإنسانية، وضغط على الحكومة الألمانية، وسفارتها في إسطنبول، فقد كان الضباط الألمان يتولون قيادة الجيش العثماني، ولم يرغبوا بالوقوف ضد رغبة القوميين الأتراك، حرصًا على التحالف بينهما.

لبسيوس طلب من أحد معارفه، وكان ملحقا عسكريا بالسفارة الألمانية تدبير لقاء مع الجنرال أنور باشا، وزير الحربية، لعرض القضية الأرمنية عليه، ومناشدته الكف عن التهجير الجماعي، لكن الانطباع الذي خلفه الباشا على لبسيوس سطره بقوله: “إن إبادة الأرمن هو محور سياستهم الوطنية”.

لم يبق أمام لبسيوس إلا توثيق المذابح، وجمع الوثائق التي تدين الأتراك، وأصدر كتابًا كبيرًا بعنوان “ألمانيا والأرمن: 1914-1918 – مجموعة من الوثائق الدبلوماسية” والتي اعتبرت فيما بعد الوثائق الأساسية التي وثقت المذابح الأرمنية.

بالتعاون مع الكاتب الألماني بول رورباخ، والشاعر الأرمني أفتيك إسحاقيان، أسس الجمعية الألمانية-الأرمنية، عام 1914، وتولى رئاستها.

معاناة شعب
معاناة الشعب الأرمني وثقتها التقارير، والإحصاءات، ووثق لبسيوس جزءا مهما منها، فقد كان قريبا من الأحداث، وعلى علاقات بأناس في الميدان.

“إن حالتهم البائسة في غاية السوء، كانوا نصف عراة يئنون جوعا، وكانت النساء يستخرجن حبات الشوفان من روّث الأحصنة”.
لبسيوس كان على علم بوقائع المقاومة الأرمنية في جبل موسى، وهي حادثة شهيرة، رفض فيها سكان سبع قرى أرمنية قرار الترحيل التركي، فقد علموا أن الهدف هو إبادتهم.

السكان نظموا أنفسهم، وتحصنوا في منطقة جبلية، وكانت بأيديهم أسلحة قديمة، قاوموا بها الأتراك، معتمدين على عنصر المفاجأة، والمكان الحصين، واستولوا على أسلحة الأفواج الأولى من الأتراك، وظلوا متحصنين لمدة شهر ونصف الشهر في الجبل، ومحاصرين من الأتراك.
الأرمن ظلوا صامدين، حتى مرت بارجة فرنسية، وكانوا قريبين من الشاطئ، فقصفت الجنود الأتراك، وجرى إنزال فوج فرنسي، فهرب الأتراك، وتم نقل الأرمن إلى مصر، على متن سفن فرنسية.

التواطؤ الألماني
في مؤلفاته دان لبسيوس السكوت الألماني عن المذابح التي يرتكبها الأتراك، ومارس ضغوطا كبيرة على المسؤولين الألمان للتدخل، لكنهم فضلوا رضا قادة تركيا على إنقاذ البؤساء الأرمن.

لبسيوس نظّم حملات دعائية للضغط على القيادة الألمانية للتدخل، لكن الأولوية كانت للحرب. منعت هيئة الرقابة على المطبوعات نشر التقارير التي تتناول المذابح، أو تنتقد الأتراك، بينما سُمح بنشر تصريحات أنور باشا الكاذبة، حول عدم وجود مذابح، مما عده لبسيوس تضليلا متعمدا للرأي العام الألماني، وإساءة لصورة الإمبراطورية الألمانية.

كان لبسيوس على حق في وصم السكوت الألماني بالعار، فقد كان بمقدور الألمان زجر الأتراك لو أرادوا.

“الدردنيل، والقوقاز، وفلسطين، وبلاد الرافدين هي الجبهات الألمانية اليوم، أكثر من كونها جبهات تركية”.

أحد الدبلوماسيين الألمان أخبر لبسيوس بأن القوى الدولية تتلاعب بقضية الأرمن، وأن دعم الحلفاء لها، هو مجرد نكاية في الأتراك لأنهم حلفاء ألمانيا.

“ومن الجائز أن تعيش لترى بسهولة أن فرنسا وإنجلترا اللتين تثيران كثيرا من اللفظ حول فظائع الأرمن يغلقون أعينهم عن مثل هذه الفظائع غدا”.
توقع الدبلوماسي تحقق بالفعل، فقد سلمت فرنسا لواء الإسكندرونة إلى الأتراك القوميين عام 1939، على الرغم من إدراكها لما سيتعرض له الأرمن، والعرب من تهجير، ومذابح لتطهير اللواء من غير الأتراك، وقد كان ذلك، وسط صمت فرنسي، إرضاءً للأتراك.

فيلسوف ومبشر
جوهانس لبسيوس، (1858-1926)، مستشرق ألماني، ورجل دين بروتستانتي، أجرى عدة جولات في الدولة العثمانية، وأقام مدة في إسطنبول.

حاز على درجة الدكتوراة في الفلسفة والرياضيات، عام 1880، من جامعة ميونيخ، وأجرى عدة جولات إلى القدس، وسورية، والأناضول، وزار المناطق الأرمنية التي تعرضت للمذابح في عهد السلطان عبد الحميد الثاني.

بعد وفاته تم تحويل منزله إلى متحف لتخليد المذابح الأرمينية، وخُصص أحد أقسامه كمركز للدراسات المتعلقة بالمذابح.

في رواية “الأيام الأربعون لجبل موسى” خلّد المؤلف النمساوي فرانز ويرفل جهود لبسيوس، وخصص فصلا كاملا عن الدور البطولي والإنساني الذي قام به، في دعم نضال الأرمن في منطقة جبل موسى، في جنوب الأناضول، ضد هجوم الجيش العثماني عام 1915.

المصادر :

شاهد أيضاً

أذربيجان تشن هجموم من الجزء الشمالي الشرقي من أرمينيا والجيش الأرميني يتصدى ويرد العدوان.

يريفان في 28 يوليو/أرمنبريس: قالت وزارة الدفاع الأرمينية في بيان إن الوحدات العسكرية الأذربيجانية التي هاجمت …

إلهام علييف يكرر أطروحته الزائفة بأن زانكيزور تنتمي لأذربيجان.

 مرة أخرى يتحدث إلهام علييف على التلفزيون الحكومي الأذربيجاني عن قصة قد تخيلها حيث كرر …