أظهرت الانتفاضات الأخيرة “المعادية لروسيا” في تبليسي والعديد من المدن الجورجية مدى استجابة الغرب إلى معظم محاولات تطبيع العلاقات الروسية الجورجية من ناحية، كما بيَّنت نشاط الجماعات الجورجية المستاءة من سياسية التتريك.
في الآونة الأخيرة نشرت الصحافة الجورجية والروسية مقالات عدة حول “الاحتلال التركي” لأجاريا، والتي يعبر مؤلفوها عن قلقهم إزاء التدفق غير المقيد لرؤوس الأموال والأعمال التجارية التركية إلى جورجيا.
إليكم مقال للمحلل الجورجي كيفوركي أوليسشفيلي، الذي نُشر على 1TV.ru.
الشارع يسمى كوتايسي، ولكن يطغى عليها كتابات تركية. تتقدم قليلا فتكون في نقطة للوجبات السريعة تسمى “أنطاليا” ومطعم في الزاوية يسمى “اسطنبول“. لن تستوعب على الفور بأنك في باتومي، عاصمة أجاريا، في جورجيا.
ا نتقل موظاف إلى أجاريا قبل 15 عاما، ومثل جميع الأتراك وجد عملا هناك بسهولة. يقول الطاهي موظاف غيورموش “كنت هنا منذ صغري، وتكيفت بسرعة. أحب جورجيا كثيرا، فهنا يعيش أناس رائعون“. وهو يتحدث الجورجية بطلاقة، لكن الزوار الذين يأتون لشراء الشاورمة منه لا يسمحون له بنسيان لغته الأم التركية.
يقول أحد الزوار المسمى زكي يانيك: “في أي مكان آخر سنستريح، إن لم نسترح هنا؟ الأتراك يعيشون هنا منذ الإمبراطورية العثمانية “.
يعد الشارع كوتايسي في باتومي حيا تركيا مزدهرا، وتتم إدارة المقاهي فيه بذات الأسلوب. حيث يعيش المالك في تركيا، ويتم تشغيل المقهى بواسطة مدير تركي، ومعظم زواره من الأتراك، والموظفون الذين يخدمون هم فقط من السكان المحليين.
يقول سيراهادين كيونتباي “أنا الطاهي، مواطن تركي. المدير تركي أيضا، أما باقي الموظفين فهم جورجيون” ويواصل إعداد حساء العدس بالطريقة التركية الذي طلبه المصمم كريم أوزتورك الذي يعمل منذ ثلاث سنوات في باتومي. سيتقدم كريم بطلب للحصول على الجنسية مثل العديد من الأتراك الذين استقروا هنا. حيث يقول: “لا أستطيع الذهاب إلى أمريكا. بسبب مشاكل السياسيين الأتراك والأمريكيين. ولكن لن تكون هناك مشكلة في حصولي على جواز السفر الجورجي“.
تم بناء مطار باتومي الدولي من قبل شركة تركية، تديرها شركة تركية أخرى كأي مطار محلي في تركيا. الركاب الذين يصلون من اسطنبول إلى هنا لا يجتازون عمليات التفتيش الحدوديةفهم يقطعون التذاكر حتى خوبا التركية، ولكن الطائرة تهبط في باتومي لعدم وجود مطار في خوبا. ومن هناك يواصل المواطنون الأتراك رحلاتهم إلى جورجيا عن طريق النقل البري، كأنهم في ديارهم. وبالمناسبة، إن التذكرة من مطار خوبا الافتراضي إلى اسطنبول أقل بثلاث إلى أربع مرات من الاتجاه المعاكس.
الحدود الجورجية هي مفهوم اصطلاحي بالنسبة للأتراك. فعدم الحاجة إلى تأشيرة دخول والفرق الصغير بين جانبي الحدود يتم استغلالها في مصلحة أعمالهم. والأهم من ذلك، تتواجد الكازينوهات في كل خطوة في باتومي، مما يحول باتومي إلى لاس فيغاس للسكان القاطنين على الحدود في تركيا. تم “قمع” أعمال الكازينو في أنقرة لفترة طويلة، ولذلك فإن بعض الأتراك قاموا بفتح الكازينوهات في باتومي، وبعضهم الآخر يكملون السلسلة الاقتصادية، فيذهبون إلى اللعب في هذه الكازينوهات. بالمناسبة، إن وجود كازينو في الفندق يشير إلى كونه تركي.
يقول مالك فندق جنادي دزالوكيتزين. : “لكي نكون صادقين، لا أحد يصدق أننا بنينا هذا الفندق. يعتقد الجميع أن هذا الفندق تركي أيضا بالرغم من أنه تم بناؤه من قبل الجورجيين. إن مالكه أيضا جورجي، لكن حتى الآن لا يصدق زوارنا أنه فندق جورجي“.
إلى جانب المطاعم والفنادق يزداد عدد المساجد التي تشيد بأموال تركية في أجاريا. إن ثلث سكان المنطقة هم من المسلمين الجورجيين، ولكن عندما أصرت أنقرة على استعادة مسجد السلطان عبد العزيز، اشتكى سكان باتومي. تم بناء المساجد في أجاريا قبل 200 عام من أجل الغزاة والجيش التركي. تراجع الأتراك في النهاية، لكنهم لم يتخلوا عن خططهم الدينية.
اتضحت أن المتعة الجسدية تساهم أيضا في انتشار الإسلام. فبالقرب من مآذن المسجد الرئيسي في أجاريا، تعمل اليوم مؤسسات تركية لخلق مشاعر غريبة بين الجورجيين، حيث يقومون بتقديم خدمات التدليك ويقومون بجلب مدلكات تايلانديات لهذا الغرض.
لطالما كانت باتومي مدينة تسامح وطني. في التسعينيات تم انتخاب الأبخازي أسلان أباشيدزه حاكما لها، بدعم من الشعب الجورجي. ولكنه عندما رأى كيف يغير الأجانب وجه مدينتهم، لم يعد قادرا على إخفاء مشاعره. يقول حاكم أجاريا السابق: “كانت أجاريا جزءا من الإمبراطورية العثمانية منذ 300 عام، وبحلول نهاية القرن التاسع عشر عادت هذه الأراضي إلى جورجيا بفضل الحرب الروسية التركية. ويجب ألا ننسى بأنها أصبحت تتمتع بحكم ذاتي تابع لجمهورية جورجيا بفضل روسيا ويجب علينا أن نتكلم عن ذلك” .
في تبليسي، أعلنت الحكومة الحالية أنها عدو لروسيا وتفضل الصمت حيال الأمر. وقد انتهز الأتراك هذه الفرصة، ونسوا بأن أشخاص آخرون عاشوا أيضا في تلك الأرض. هنا أطلال الكاتدرائية الجورجية العائدة للقرن الثاني عشر. حيث صلت الملكة تمار. الآن هذه المنطقة “تركيا“. في الوقت نفسه، الأتراك حساسون للغاية بشأن مسألة نشر ثقافتهم في هذا المكان.
سارب واحدة من أفضل الشواطئ في أجاريا. حيث المياه نظيفة والطبيعة جميلة. وهي تقع بالقرب من الحدود التركية. وعلى بعد 100 متر فقط من الحدود قام الأتراك ببناء مسجد، على الرغم من أن أقرب منزل تركي يبعد 5 كيلومترات. تم ضبط مكبرات الصوت بحيث يتم سماع أصوات المئذنة والدعوة للصلاة في الجانب الجورجي. لا يمكن الاختباء هنا من “آثار” الإمبراطورية العثمانية، وفي تركيا دعوات إلى “قد حان الوقت لجمع الحجارة“.
بدأ كل شيء مع “ثورة الورود“، كان ميخائيل ساكاشفيلي جالسا على أشواكها. كان يدعو للاستثمار في جورجيا. وكان الرد الأول على هذه الدعوة من الولايات المتحدة وتركيا. وبسبب الاستثمارات الأجنبية أصبحت باتومي بسرعة في بطاقة أعمال جورجيا. ومع ذلك، فقدت الولايات المتحدة بسرعة اهتمامها التجاري. فأمريكا بعيدة في النهاية. أما الأتراك قرروا البقاء هنا لفترة طويلة، لأنهم يتذكرون هذه الأراضي جيدا. هناك “عينات فنية” خضراء في ناطحات السحاب الشهيرة في باتومي كرمز لتلك المدينة، والتي تذكرنا بالمراكز المحصنة لجيش الإمبراطورية العثمانية أثناء حرب القرم. يمكننا أن نقول بأنهم استولوا عليها دون قتال. لحين انتهاء عهد ساكاشفيلي لم يكن هناك أعمال تركية في أجاريا عموما. وفي عهده بدأ الأتراك بإصدار جوازات سفر جورجية. وأنقرة تدعم جميع الذين يريدون الذهاب والتطور في جورجيا. يقول عمر تايريديري صاحب مطعم باتومي: “السلطات التركية تقدم قروضا مواتية لفتح الأعمال التجارية في الخارج. عملنا في باتومي جيد. إننا نفكر أيضا بافتتاح فرع في تبليسي“.
من المعتقد أن العالمة التركية كيولي الاسانيا، والدة ميخائيل ساكاشفيلي ما زالت تعمل على ضغط مصالح الأتراك في تيبليسي، وهي صديقة حميمة لفتح الله غولن المعارض. “لقد كانت السيدة المفضلة لدى فتح الله غولن. بفضلها افتتح غولن مؤسسات التعليم الابتدائي والثانوي والعالي في جورجيا. نحن نتحدث عن الاحتلال الروسي، في حين أن تركيا هي المحتل الحقيقي“، كما يقول السياسي أرنو خيدربيجشفيلي.
يخبر الأتراك لتلاميذ المدارس في المدن المجاورة وكذلك السياح الذين يأتون إلى أجاريا قصتهم عن مدينة “باتومي–كالي“. يقول الكاتب رامز سورمانيدزه: “هم يقولون إننا في إقليم تركيا، هذه أرضنا“.
من ناحية أخرى، أعلن الرئيس التركي أردوغان، بأن أجداده عاشوا أيضا في أجاريا، ويخبر بصراحة أن تركيا ليست ضد الوصول لحدود الإمبراطورية العثمانية. حيث يقول: “حدودنا المادية تختلف عن قلبنا. هل يمكن التمييز بين رزان وباتومي؟ يعتقد العديد من المؤرخين أن حدود تركيا يجب أن تكون قبرص وحلب والموصل وسالونيك ،وباتومي. ونحن سنفقد اهتماماتنا بهذه المناطق فقط حين نفقد استقلالنا“.
استقر الاهتمام في أجاريا بالفعل من خلال استثمارات أنقرة البالغة 2.5 مليار دولار في جورجيا و امتلاك 15 ٪ من سكان باتومي للجنسية المزدوجة.
وقال الصحفي المعروف ديفيد تشكارتارتفيلي: “كل هذا لا يزال قوة مخملية يمكن أن تكون قاتلة إذا لم ينظر لها جيدا. إنهم يأتون برأس مال كبير، ودينهم على أكتافهم. إنه مزيج عملاق ومميت يمكن افتراض آثارها فقط عن انفجارها “.
إن نموذج تصدير الإسلام السياسي من تركيا يأتي من صيغة بسيطة يعبر عنها أردوغان بنفسه: “مساجدنا هي ثكناتنا. مآذننا رماحنا “. وبعد هذه الكلمات يمكن بسهولة أن نقول إن “الجنود الأتراك” في باتومي عبروا الحدود منذ فترة طويلة.
كيفوركي أوليسشفيلي
القضية قضية الشعب الأرمني
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.