أزتاك العربي- ألقى الإعلامي غسان الشامي كلمة في ذكرى الإبادة الأرمنية خلال لقاء أقامه حزب الطاشناك في مدينة جبيل. واليكم نص الكلمة:
“قيامة الأرمن … مساؤكم بلا أتراك ولا غُزاة كان طريقاً طويلاً من الآلام والأهوال ذلك الطريق الذي مشاه الذين نجوا من الإبادة قبل مئة عام ونيّف. كان طريقاً محفوفاً بالخوف والدماء قبل أن يصل بعضهم إلى حلب أو دير الزور أو الرقة ثم بيروت..
كم تاهت نساء أو التجأن إلى قبيلة وكم تعذب رجال وكم قضى أطفال وضاعوا. كان للأرمن جلجلة أقسى من جلجلة السيد المسيح، ولا أعرف كم روحاً أرمنية خاطبت ربها في تلك البوادي تسأله عن سبب هذا الظلم وهذه الآلام..رغم ذلك صبروا وجالدوا ثم عبروا إلى حياة جديدة حفروا بناءها بأظافرهم وعرقهم ودموعهم في ليالي المخيمات، حتى وصلوا جميعاً . لم يشهد التاريخ أبشع مما فعله الترك وأوباشهم من أغوات الأكراد بالأرمن والسريان والآشوريين واليونان والسوريين.
إن الصور الناجية وصور التيه والضحايا تغلغلت عميقاً في الوجدان الأرمني، وفي وجدان أي صاحب ضمير حي، حتى باتت جزءاً من الجينات يتوارثه كل تائق للعدل والحرية.إن مليوناً ونصف من الضحايا الذين قتلوا لمجرّد أن شعباً آخر يعيش ثقافة الكراهية وأسلوب البربرية كان ينفّذ مقتلة لا يستثني منها الرّضع وبطون الحوامل.
هؤلاء هم الترك عبر العصور.. برابرة حلوّا في المشرق، مرتزقة منذ أن صار خلفاء بني العبّاس شرّابة خرج في الحكم..سلاجقة ومماليك وخصيان وعثمانيين عاثوا ذبحاً وقطع أعناق وخوازيقاً ..قتلوا بعضهم وذبحوا غيرهم ، وحكموا باسم الخلافة بعد أن سرقوا بردة النبي. يا الله كيف أمكن لخصيّ مثل كافور الإخشيدي أن يحكم أمة بالخنجر وباسم الله.؟ !.كيف حكم قطز وبيبرس وقلاوون وبايزيد وياووز ومراد وغيرهم ؟!!
لقد أثبت التاريخ الأرعن أن البربرية والتوحش بجتاحان المدنية والحضارة ويسبيان الشعوب التي تعتنق السلام والمحبة ديناً، وهذا ما حصل للشعوب الحضارية في العالم القديم، ويحدث للشعوب الضعيفة في عالمنا الحديث، لذلك يجب أن تقترن الحضارة والإيمان والسلام بالقوة حتى لا تتناسل الإبادات، التي وللأسف ماتزال تردداتها تتكرر في العراق وسوريا وأماكن أخرى، وحتى لا يخرج معتوه كأردوغان ليقول إن القسطنطينية لا تساوي شيئاً فيما جدّه أرطغرل كان يضع اللحم تحت سرج الجواد كي يأكله مقدداً، فيما بقيت القسطنطينية ثلاثمئة عام توزع الخبز لسكانها بالمجان..لعن الله الهمجية التي جعلت من آيا صوفيا موضع بازارٍ لبائع بطيخ .
في المقلب الآخر، إن الصبر والإصرار على الحياة عند الأرمن جعلهم موضع احترام الشعوب التي حلوّا بين ظهرانيها، ولدى شعوب العالم ..هم ملفتون بإبداعهم وعملهم وتفانيهم، والأهم أنهم لم يسمحوا للنسيان أن يتسلل إلى وجدانهم،وهم بذلك قدوة تمثّلها السريان فيما بعد وبدأوا يستذكرون الإبادة نفسها التي اسمها “سيفو”..
وهنا أريد أن أقول : لا يكفي لنا كشعوب أن نتضامن مع الأرمن والسريان ونستذكر الإبادة من دون أن نشير إلى القاتل وندينه. كل من يتضامن ولا يدين التركي ويطالبه بالإعتذار والتعويض هو منافق حتى انقطاع النفس، ومن المعيب على البلدان العربية التي عاشت تحت قمع الإحتلال العثماني ، وهو احتلال وقاتل موصوف ولو كره الكارهون، أن لا تعترف بالإبادة..أما البلهاء الذين تحرّكت مشاعرهم الطائفية أو العرقية على إحراق العلم التركي ، فليذهبوا إلى خليفتهم العثماني وجدّهم سليم الأول..وبئس المصير. إن كل من يحرّكه شعور تركي ، ولا تتحرك مشاعره لما حلّ بالأرمن والسريان والآشوريين والأنطاكيين السوريين والكيليكيين واليونان، ولم تتحرك مشاعره لما يفعله الترك بالسوريين والأكراد حالياً هو بندوق سياسي وفكري مع درجة الإمتياز..هو وديعة تركية ستنفجر يوماً ما كما انفجر بقايا السلاجقة والتركمان في جبال اللاذقية حاليا ومناطق أخرى.
رأيت الأرمن في بيروت وحلب وكسب ويريفان..سمعت أغانيهم..أكلت طعامهم..تعاملت مع حرفييهم..إنهم شعب جدير بالحياة..لقد قاموا من الموت، شعب أُبيد أكثر من ثلثه، وبقي حياً، هو شعب ترفع له القبعة ويوقف له احتراماً.. هناك مثل يقول: المكان الذي يمشي عليه التركي لا ينبت فيه العشب..المثل حقيقي لكن الأرمن أطاحوا به ، فكل مكان نزلوه صار مليئاً بالورود والعمل..لقد غلبوا ثقافة الملح التركي الزنخ، عسى أن نتعظ ونتعلّم منهم. سلامي لكم”.
يذكر أنه تم تكريم غسان شامي بدرع الأبجدية الأرمنية.
القضية قضية الشعب الأرمني
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.