بقلم د. صلاح محجوب
عاش الأرمن منذ القرن الحادي عشر في ظل إمارات تركية متعاقبة كان آخرها الدولة العثمانية، وقد اعترف بهم العثمانيون كـ”ملة” منفصلة كاملة الحقوق، وبحلول القرن التاسع عشر أصبحت الدولة العثمانية أكثر تأخرا عن غيرها من الدول الأوروبية حتى إنها لقبت بـ”رجل أوروبا المريض”، وقد نالت خلال تلك الفترة العديد من الشعوب التي نالت استقلالها؛ منها اليونان والرومانيون والصرب والبلغار، كما ظهرت حركات انفصالية بين سكانها العرب والأرمن والبوسنيين، مما أدى إلى ردود فعل عنيفة ضدهم.
ويُتهم السلطان العثماني عبد الحميد الثاني بأنه أول من بدأ بتنفيذ المجازر بحق الأرمن وغيرهم من المسيحيين الذين كانوا تحت حكم الدولة العثمانية؛ ففي عهده نفذت المجازر الحميدية حيث قُتِل مئات الآلاف من الأرمن واليونانيين والآشوريين لأسباب اقتصادية ودينية متعددة، بدأت عمليات التصفية بين 1894-1896 وهى المعروفة بالمجازر الحميدية، كما قام عبد الحميد الثاني بإثارة القبائل الكردية، لكى يهاجموا القرى المسيحية في تلك الأنحاء.
وتشير الاصطلاحات التالية “المحرقة الأرمينية والمذبحة الأرمينية أو الجريمة الكبرى” إلى القتل المتعمد والمنهجي للسكان الأرمن على يد الدولة العثمانية خلال وبعد الحرب العالمية الأولى، وقد تم تنفيذ ذلك من خلال المجازر وعمليات الترحيل، والترحيل القسري والتي كانت عبارة عن مسيرات في ظل ظروف قاسية مصممة لتؤدى إلى وفاة المبعدين، ويقدّر الباحثون أعداد الضحايا الأرمن بين مليون، ومليون ونصف المليون شخص.
خلال هذه الفترة قامت الدولة العثمانية بمهاجمة وقتل مجموعات عرقية مسيحية أخرى منها السريان والكلدان والآشوريون واليونانيون وغيرهم، ويرى العديد من الباحثين أن هذه الأحداث، تعتبر جزءا من نفس سياسة الإبادة التي انتهجتها الدولة العثمانية ضد الطوائف المسيحية، ومن المعترف به على نطاق واسع أن مذابح الأرمن تعتبر من جرائم الإبادة الجماعية الأولى في التاريخ الحديث، ويشير الباحثون بذلك إلى الطريقة المنهجية المنظمّة التي نفذت من خلال عمليات قتل، كان هدفها القضاء على الأرمن، وتعتبر مذبحة الأرمن ثاني أكبر قضية عن المذابح الجماعية بعد الهولوكست.
وكلمة الإبادة الجماعية صيغت من أجل وصف هذه الأحداث، كما أطلقت الرابطة الدولية لعلماء الإبادة الجماعية على الحملة العثمانية التي قام بها الأتراك ضد الأقليات المسيحية في الدولة العثمانية خلال الفترة ما بين 1914 و1923 هي إبادة جماعية.
وتوجد اليوم العديد من المنشآت التذكارية التي تضم بعض رفات ضحايا المذابح، ويعتبر يوم 24 أبريل من كل عام ذكرى مذابح الأرمن، وهو نفس اليوم الذي يتم فيه تذكر المذابح الآشورية وفيه تم اعتقال أكثر من 250 من أعيان الأرمن في إسطنبول، وبعد ذلك طرد الجيش العثماني الأرمن من ديارهم، وأجبرهم على المسير لمئات الأميال إلى الصحراء وحدود سوريا الحالية، وتم حرمانهم من الغذاء والماء.
أما اليوم، فإن أغلبية مجتمعات الشتات الأرمني هي نتيجة الإبادة الجماعية، أما الدولة التركية التي خلفت الدولة العثمانية فهي تنفى وقوع المجازر برغم تأكيد الأمم المتحدة لوقوعها، وفى السنوات الأخيرة وجهت دعوات متكررة لتركيا للاعتراف بالأحداث بأنها “إبادة جماعية”، لكنه وحتى الآن، فقد اعترفت أكثر من عشرين دولة رسميًا بمذابح الأرمن باعتبارها “إبادة جماعية”، ويقبل معظم علماء الإبادة الجماعية والمؤرخين بهذا الرأي. وتَعتبر أغلبية المؤسسات الأكاديمية أن ما قامت به الدولة العثمانية بحق الأرمن يرتقى إلى الإبادة الجماعية، ومن بين هذه المؤسسات الجمعية الدولية لعلماء الإبادة الجماعية.
القضية قضية الشعب الأرمني
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.