هدف عصبة الأمم التي أنشئت في عام 1919 خلال مؤتمر باريس للسلام هو توفير السلام وتنمية روح التعاون بين الشعوب. بدأت عصبة الأمم أنشطتها في 10 يناير عام 1920. ووفقا للميثاق، فإن هيئات إدارة عصبة الأمم هي الجمعية والمجلس والأمانة العامة وذلك بتوجيه من الأمين العام.
كانت الريادة في هذه المنظمة الدولية كلاً من بريطانيا العظمى وفرنسا أما المقر فكان في جنيف (سويسرا)، حيث عقدت جميع المؤتمرات الدورية. في عام 1939، وفي ظل ظروف الحرب العالمية الثانية، كانت عصبة الأمم، في الواقع، غير قادرة على الوفاء بدورها الرئيسي والتي كانت تأمين السلام، لذلك توقفت عن أنشطتها. وقد حلت عصبة الأمم رسميا في عام 1946 عندما أنشئت منظمة الأمم المتحدة.
تطرقت عصبة الأمم إلى القضية الأرمنية مرات عدة أثناء أنشطتها. في عام 1920, قدمت جمهورية أرمينيا، التي أعلنت في أيار من عام 1918 استقلالها، طلبا منفصلا لعضوية عصبة الأمم , وبعد عدة أشهر من النقاش، رفض هذا الطلب. كما أن مسألة إصدار موافقة الولاية الأمريكية تجاه أرمينيا مدرجة أيضا في جدول أعمال مناقشات عصبة الأمم.

وفي تشرين الأول / أكتوبر 1920 ، وخلال العدوان العسكري الذي شنه الكماليون والبلاشفة معا ضد جمهورية أرمينيا، وجه الجانب الأرمني مرة أخرى نداء إلى عصبة الأمم وبعد مناقشات مطولة في 25 نوفمبر، ناشد مجلس الجامعة الدول الأعضاء والولايات المتحدة بأن تتخذ خطوات لإنهاء الأعمال العسكرية. وقد أعربت كل من إسبانيا والبرازيل عن استعدادهما للتعاون مع الولايات المتحدة في هذا الصدد. ولكن هذه المرة أيضا لم تتم تسجيل نتائج ملموسة .
ومرة أخرى، تطرقت عصبة الأمم لموضوع الأرمن في في عام 1922. هذه المرة كان عن إنشاء “البيت الأرمني” في تركيا. وفضلا عن ذلك، نوقشت أيضا المسائل المتصلة بتقديم المعونة للاجئين الأرمن في جميع أنحاء العالم نتيجة للإبادة الجماعية للأرمن، ولتوطين جزء منهم في أرمينيا السوفياتية. وكما في الحالات السابقة، لم تكن لهذه البرامج تطبيق العملي.

وفي إطار عصبة الأمم، كان للفيلسوف النرويجي والعالم والشخصية العامة والإنساني فريديوف نانسن (1861-1930) إسهاما قيما في النشاط الإغاثة الإنسانية للشعب الأرمني. وباعتباره المفوض السامي للعصبة، وفي الوقت نفسه يترأس لجنة العصبة للإعادة إلى الوطن (1925-1929)، قام نانسن بالكثير من العمل لإعادة الأرمن من جميع أنحاء العالم إلى أرمينيا السوفيتية وتقديم المساعدات لهم.
ومن أجل دراسة إمكانيات هذه المبادرة بفعالية، وصل نانسن إلى أرمينيا مع لجنته في عام 1925، في حزيران / يونيه،. وذكر نانسن في تقريره عن نتائج زيارته لأرمينيا السوفياتية أن هناك إمكانية لإعادة 25 إلى 30 ألف مهاجر في حالة تقديم بعض المساعدة. بيد أنه اقتناعا منه بأن العصبة قد أبدت بعض اللامبالاة في حل هذه المسألة، فقد نظم شخصيا إعادة حوالي 000 7 لاجئ أرمني إلى أرمينيا السوفياتية.
في عام 1922 خلال مؤتمر عقد في جنيف، وبفضل جهود نانسن المباشرة، اتخذ قرار بمنح اللاجئين والنازحين شهادات هوية مؤقتة، “جوازات سفر نانسن”، التي تم ختمها بصور نانسن بدلا من الشعار.

منحت عصبة الأمم في 12 يوليو / تموز عام 1924 حوالي 320 ألف أرمني في بلدان مختلفة حول العالم الذين نجوا من الإبادة الجماعية للأرمن جوازات سفر نانسن. وأولئك الذين تمكنوا من حيازة جوازات السفر هذه منحوا الحق في حرية التنقل في البلدان المشاركة في المؤتمر، ولم تعد القيود المفروضة على أولئك الذين ليس لديهم جنسية.
في 10 آب / أغسطس 1920 وقعت معاهدة سيفر، التي أعطت الحق لـ “عصبة الأمم” بالمشاركة في عملية معاقبة المتهمين بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد الأرمن. ولهذا الغرض،“ يجب على الحكومة العثمانية تسهيل أعمال اللجان المختلطة التي عينتها عصبة الأمم من أجل تلقي شكاوى الضحايا وأسرهم وأقاربهم، وإجراء التحقيقات اللازمة، وأخيرا اتخاذ القرارات بشأن الإفراج عن الأشخاص المذكورين أعلاه”. / المادة 142 /
وافقت الحكومة العثمانية على تعيين لجنة من قبل عصبة الأمم. حيث “كل لجنة من هذه اللجان ستتألف من ممثل واحد عن الحكومة العثمانية وممثل عن المجتمع الذي يعتبر نفسه ضحية أو يعتبر احد أعضاءه مصابا ومن قبل رئيس يتم تعيينه من قبل عصبة الأمم”. توفير الوسائل، التي كانت ضرورية لضمان تنفيذ تلك الأحكام، وضعت على عاتق مجلس القوى الحليفة الرئيسية وعصبة الأمم.
تنص المعاهدة على تنفيذ ما ورد في اتفاق عام 1915 بأنه تقع على الحكومة التركية وغيرها من المنظمين والمنفذين لهذه الجريمة ضد الإنسانية والحضارة – مبدأ المسؤولية الجنائية.
للدول المتحالفة الحق في تعيين المحكمة التي ستتولى محاكمة من وجهت إليهم التهمة, و الحكومة العثمانية ملزمة بالاعتراف بتلك المحكمة. وهكذا سجلت للمرة الأولى في تاريخ العلاقات الدولية أن إنشاء محكمة جنائية دولية خاصة. “في حال تمكنت عصبة الأمم من إنشاء المحكمة المختصة في الوقت المناسب، يحق لدول الحلفاء تسليم المتهم إلى تلك المحكمة، كما أن الحكومة العثمانية ملزمة أيضا بالاعتراف بتلك المحكمة“. / المادة 230 /

هذه الجرائم مشمولة أيضا المادة 228 التي تلزم الحكومة العثمانية بتقديم جميع الوثائق والمعلومات اللازمة للإفصاح الكامل عن الوقائع المزعومة، والبحث عن المذنب، والتقييم الواضح للمسؤولية.
إلى جانب القضايا المذكورة أعلاه، عقدت عصبة الأمم أيضا مناقشات خاصة بشأن مصير النساء والأطفال المحتجزين كرهائن والمسلمين عنوة في البلدان الإسلامية في تركيا وآسيا الصغرى والمناطق المحيطة بها.
في 22 أيلول / سبتمبر 1921 قدم تقرير اللجنة الخامسة خلال الدورة الثانية للجمعية ، وناقشت اللجنة مسألة تهجير النساء والأطفال الأرمن واليونانيين في آسيا الصغرى.
حتى ذلك الحين، كانت هذه هي المسألة الأساسية في عصبة الأمم. وخاصة، أنه تم اتخذ قرار بإنشاء لجنة تحقيق مركزها في القسطنطينية, وستدعم عملها الجنة العليا للحلفاء . وشمل مجلس العصبة أعضاء اللجنة كل من الدكتور كينيدي والسيدة كوشمان لتنسيق العمل في القسطنطينية، و المبشرة الدنماركية كارين ييبي للقيام بنفس الوظائف في حلب.
أثناء عملها واجهت اللجنة، العديد من العقبات، ولكنها تمكنت من جمع المعلومات اللازمة عن الأطفال والنساء الأرمن المحتجزين عنوة. وهكذا، ووفقا لتقرير المفوض السامي البريطاني في القسطنطينية، تم الإفراج عن 2،300 طفل من المؤسسات والمنازل الإسلامية حيث كانوا محتجزين عنوة. ووفقا للبطريركية الأرمنية، في ذلك الوقت، كان نصف الأطفال في دور الأيتام التركية هم الأرمن. وحسب المنظمات الأرمنية، فإن نحو 000 6 طفل أرمني كانوا في وضع صعب وقد طرد العديد من النساء الأرمن، ومعظمهم في سن الشباب، عنوة من بيوتهن ليتم وضعهن في بيوت الحريم الذي من المتعذر الدخول إليها.
الجهود المبذولة لتحرير النساء والأطفال الأرمن من الأسر كانت صعبة بسبب العقبات التي يفرضها الجانب التركي. على وجه الخصوص، كان الأطفال المسيحيين غافلين عن أصولهم، حيث تم تزوير شهادات ميلادهم، وأعطيت لهم أسماء تركية. في دور الأيتام التركية كان هناك العديد من الأطفال الذين تم تقديمهم كأكراد، ولكن في الواقع كانوا أرمن. الصعوبات نفسها ظهرت أثناء محاولات الكشف عن النساء المسيحيات الأسيرات وإطلاق سراحهن وفق ما ذكر في تقرير اللجنة الخامسة، إنه يكاد يكون مستحيلا العثور عليهن، لأن “كل الشعب كان مشاركا في تلك الجريمة“.
في 30 أغسطس / آب1921 ، تم تقديم تقرير إلى مجلس العصبة من قبل ممثل البرازيل السيد كونيا، حول ترحيل النساء والأطفال في تركيا والبلدان المجاورة. وذكر على وجه الخصوص أن 90.819 أرمينيا ممن تم إخفاءهم عنوة قد تم استعادتهم و إرجاعهم إلى ذويهم، ولكن قد يبقى مثل هذا العدد من النساء والأطفال المسيحيين في المنازل التركية.
في 16 تموز / يوليه 1921 وفي رسالة موجهة إلى الأمين العام لعصبة الأمم ، تشير السيدة كوشمان إلى أن عدد الأيتام الأرمن الذين عادوا في وقت سابق بلغ 819 90 شخصا، بينما كان عدد الأيتام الأرمن المحتجزين في المؤسسات والمنازل التركية 350 37.
وهكذا، فإن البيانات المعممة في عصبة الأمم تدل بوضوح على وجود سياسة تركية تتمثل في أسلمة الأطفال والنساء الأرمن عنوة والتي تمت المشاركة فيه على نطاق واسع. فيما بعد،في عام 1948 أصبحت الأمم المتحدة خلفا لعصبة الأمم . والمادة 5 من الإعلان العالمي لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، التي اعتمدت في 9 كانون الأول / ديسمبر، هي النقطة الخامسة من تعريف الإبادة الجماعية، وهي نقل الأطفال من مجموعة بشرية إلى جماعة أخرى. وهكذا، فإن وثائق عصبة الأمم تبين أن السياسة التركية ضد الشعب الأرمني في 1915-1922 كانت إبادة جماعية متعمدة.
القضية قضية الشعب الأرمني
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.