محمود بوزأرسلان
ديار بكر، تركيا – في الخمسينيات، في ديار بكر أعادت الدولة التركية كنيسة القديس جيراغوس الأرمينية التي تعود إلى قرون إلى الطائفة الأرمنية في المدينة، بعد استخدامها كمخزن لسنوات.
يصف الكاتب الأرمني مجرديج مارغوسيان، وهو مواطن من ديار بكر، كيف أن عمال الحديد والنجارين والرسامين والصاغة من “حي الكفار” في المدينة قد تعاونوا من أجل “إحياء الحطام” وإعادة فتحه بسرعة للعبادة، وحرصوا على الحفاظ على “إرث أسلافهم” .

ولم يدرك المتطوعون أن المحنة التي ألمَّت بأكبر كنيسة أرمنية في الشرق الأوسط لم تنته بعد. وبحلول أوائل الثمانينيات، كانت كنيسة القديس جيراغوس بدون مصلين كما تضاءل أعداد الأرمن في ديار بكر. وتُرِكت الكنيسة لمصيرها، تواجه الكنيسة في خطر الاضمحلال.
عندما بدأت عملية الترميم الجديدة في عام 2008، كانت فقط الجدران صامدة، مع نوافذ مكسورة، والسقف منهار وقد امتلئ المكان بالأتربة. استمرالترميم الذي لمدة ثلاث سنوات، حيث تم إصلاح كل ركن من أركان الكنيسة بدقة. وأحضر حرفي خبير إلى ديار بكر وهو واحد من ثلاث حرفيين بقوا في تركيا وقد عمل لمدة نصف عام لتجديد واستكمال المذابح السبعة. وتوج هذا العمل الإصلاحي بجرس جديد تم جلبه من روسيا.
مع استئناف الخدمات، أصبحت الكنيسة نقطة التقاء للأرمن و مكان لجذب السياح الذين يزورون المدينة. غير أن هذا المناخ الجديد لم يدم طويلا. ففي خريف عام 2015، قامت قوات الأمن بتفريق مقاتلين في حزب العمال الكردستاني، كانوا قد تثبتوا وراء الخنادق والحواجز في المناطق السكنية في “صور“، وهي قلب ديار بكر القديم، حيث تقع الكنيسة. قبل أشهر فقط من اندلاع الاشتباكات، وضعت اليونيسكو “صور” على قائمة التراث العالمي.
استخدم المسلحون الكنيسة كموقع ومستشفى لعلاج الجرحى، كما يتضح من النفايات الطبية التي عثر عليها في وقت لاحق من الداخل.
ومع تقدم قوات الأمن، غادر المسلحون الكنيسة، وهذه المرة كانت قوات الأمن تستخدم الكنيسة. بعد الاشتباكات التي دامت ثلاثة أشهر، خرجت الكنيسة مع جدران الفناء المدمرة والممزقة والمليئة بالرصاص. ومع ذلك، فإن المجتمع الأرمني أخذ العزاء في حقيقة أن الكنيسة نفسها كانت واقفة. ووعدت السلطات بإصلاح الكنيسة وإعادتها إلى المجتمع.
وكان من المفترض أن يكون الكنيسة تحت الحماية لأن المنطقة ظلت مغلقة حتى بعد انتهاء الاشتباكات في آذار 2016. ولكن منذ ذلك الحين، أصبحت هدفا للصوص، الذين اقتحموها مرتين وسرقوا أشياء مختلفة. كيف تمكن اللصوص من التسلل إلى الكنيسة يبقى لغزا،في حين حتى الأعضاء من مجلس الكنيسة يحتاجون إلى إذن رسمي للدخول.
وفي الآونة الأخيرة، اقتحم متسللون الكنيسة، على ما يبدو مع مطرقة استخدمت لسحق النقوش و الهياكل. وقال ارمين ديميرجيان، الذي كان يعمل كموظف في كنيسة القديس جيراغوس، أن “أخبار النهب والتدنيس آلمه كثيرا“. وقال ل “المونيتور”: “كان لدينا مكان واحد هنا وقد دمر الآن. أنا منهار. كان لدينا الكثير من الأشياء القيمة – لقد اختفوا جميعا. كان لدينا بندقية اثريه و قد سرقت. لقد كسروا المذابح وسرقوا الكتب. وباختصار، فقد دمر المكان “. وحسب ديميرجيان، الخسارة ليست فقط في الكنيسة، وإنما أيضا هي خسارة نقطة التقاء لمجتمع منتشر في جميع أنحاء العالم. “لقد عملنا بجد لاستعادته، والآن كل جهودنا قد ذهبت سدى. وأضاف انه كان مكانا يجمع الأرمن معا “.
وبعد أنباء آخر هجوم، توجه ارام اتيشيان، وهو البطريرك الممثل للطائفة الأرمنية في تركيا المقيم في إسطنبول توجه الى ديار بكر في أواخر نوفمبر لتفقد الأضرار. فقال: “لقد كسر كل شيء بمطرقة. وقد استغرق الأمر ثلاث سنوات لصنع تلك الحلي المصنوعة يدويا. وقال إن ما تدمر ليس مجرد بيت أرمني للعبادة ولكنه نصب تاريخي ينتمي إلى تركيا. واضاف “ان هذه المعالم هي ثروات البلاد كلها”. “هذا المكان لا ينتمي إلينا فحسب، بل ينتمي إلى هذه الدولة وهذه الأراضي”.
جعفر تركاي، عضو مجلس الكنيسة ويقيم في ديار بكر، شهد كيف تدهورت الكنيسة إلى الخراب في 1980 ثم ولدت من جديد منذ نصف عقد من الزمن. “كنا نشيطين جدا، ومليئين بالأمل بعد أن ارجعنا للكنيسة شكلها الرائع. سنذهب إلى هناك كل يوم لنجلس ونهتم به “.
كان تركاي من بين الذين فحصوا الأضرار بعد الاشتباكات. “كانت الكنيسة على قدميها. على الأقل كانت عناصره الأساسية – الجدران والسقف وجرس البرج – سليمة “. وعلى الرغم من بعض الأضرار التي لحقت بالداخل، إلا أن المجلس كان على قناعة بأن الصرح نجا من الاشتباكات بشكل أفضل بكثير من الكنيسة الأرمينية الكاثوليكية والعديد من المساجد القريبة.
وقال تركاي إنه مع استمرار حالة عدم اليقين في “صور” وبقاء المنطقة محظورة لدخول السكان، “حصلنا على أذن للتحقق من وقت لآخر من حالة الكنيسة. في الأشهر الثلاثة أو الأربعة الماضية، بدأنا اكتشاف أضرار جديدة في كل مرة قمنا بزيارة الكنيسة. وقد أبلغنا السلطات عدة مرات وطلبنا منهم إيجاد حل، ولكن للأسف، تمزق حلقات الأعمدة أولا ثم تحطمت المذابح بالمطارق. وقد تم نهب جميع التماثيل والنسخ واللوحات وغيرها من المواد. يحتاج الصحفيون إلى أذن من مؤسسات مختلفة في كل من ديار بكر وأنقرة لالتقاط صور أو فيلم داخل كنيسة القديس جيراغوس، وأحيانا حتى ذلك الأذن ليس كافيا.
في العام الماضي، شهد هذا المراسل كيف أن رجال الشرطة الذين يحرسون ركن الكنيسة منعوا دخول طاقم تلفزيون أجنبي، على الرغم من انهم حصلوا على إذن للتصوير في المنطقة. ومن الغريب أن المتسللين قادرون على الاستغناء عن التدابير الأمنية. “فقط عمال البناء يمكن أن يدخلوا [صور]. وهناك عدد محدود جدا من الناس يمكن أن يذهبوا وهم جميعا تحت سيطرة السلطات “. وأضاف “إذا كان هذا الهيكل الجميل يفقد شيئا ما في كل مرة نذهب فيها، فهذه مشكلة خطيرة جدا”.
القضية قضية الشعب الأرمني
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.